الخميس، 29 مايو 2025

كتب سامر المسالمة. ردا

 أعظم تكريم نلته في حياتي 

أعظم من كل أوسمة الإستحقاق 

عندما يتقدم كتاب سورية للكتابة عنك

كتب الأستاذ الدكتور مفلح شحادة  Aboosama Chihadeh


في توصيف لرائعة الكاتب السوري محمد فتحي المقداد 

"حين يكتب الضوء: قراءة في منشورٍ يُضيء الحرف كما تُضيء الروح"


في منشورٍ يتخطّى قوانين اللغة، ويجعل من الكلمات جناحين، يكتب الأستاذ محمد فتحي المقداد لا عن صديقٍ فحسب، بل عن حالة إنسانية نادرة تُدعى سامر المسالمة. هنا، لا نحيا في نصٍ، بل في انبهارٍ. لا نقرأ كلمات، بل نُحاصر بعطر ذاكرة، وبأجنحة صدق، تتفتح من بين السطور كما تتفتح وردةٌ في كفّ جريح.

منذ العبارة الأولى:

"يا من كنت أتمنى لُقياك عندما سمعتُ عنك قبل رؤياك.."

تُدرك أننا أمام حالة نصّية غير تقليدية، فالكلام لا يصف فقط، بل يستدعي، يتنبأ، يُشيّد صورة إنسان في المخيلة قبل أن تكتمل ملامحه في الواقع. كأن اللقاء نفسه كان "رؤية قلبية" سبقت الرؤية البصرية.

لكن روعة النص تكمن في ذاك التحوّل المفاجئ من فرح اللقاء إلى خيبة البصر، حين يقول:

"بينما انطفأ بريق الفرح بقلبي، وعيني تنظر إلى عكاز بعينك على الحركة.."

يا لها من صورة! عكازٌ، لا يُسند الجسد فقط، بل يُثقل البصر، يهزّ الروح، يجعل الفرح خجولاً من حضوره. هنا لا نتعاطف، بل ننكفئ داخلنا، نراجع مفهوم القوة، ونُعيد تعريف الكرامة.

ثم يتصاعد النص، لا سردًا، بل صعودًا نحو قمم المعنى، حين يقول:

"يا أيها القابض على جمر الكرامة.. يا من تكبس الملح على جراحك.."

هل هناك استعارة أقسى، أصدق، أبهى من هذه؟

أن تكبس الملح على جرحك لا لتهينه، بل لتوقظه.. لتذكّره أنك ما زلت حيًّا، ما زلت أقوى من الألم، وأصدق من العجز.

وفي واحدة من أجمل الجُمل في النص:

"وأُكبِرُ فيك صدق المظهر المُنبئ عن جوهر المَخبَر.."

ها نحن أمام تلاقٍ بين الشكل والجوهر، بين الصمت والقول، بين أن ترى "هيئة رجل" وأن تعيش "عقيدة رجل". هنا الصدق ليس ترفًا، بل قَسَمًا يُؤدّى بحضور البصيرة لا البصر.

ثم يتجلى الأستاذ المقداد أكثر:

"آن لك أن تضع سيفك جانبًا.. ولتتقدّم بالقلم خطوة"

في هذه الدعوة، انقلابٌ عظيم: من صورة الثائر إلى هيئة الكاتب، من حمل السلاح إلى حمل السرد، من ميدان الغضب إلى منبر الحكاية. إنها دعوة للبطولة عبر الحرف، لأنك حين تكتب، تصبح سيفًا لا يصدأ، ولا يُكسر، ولا يُخمد.

وبانسياب مذهل، ينتقل النص إلى الاعتراف الأدبي:

"لا أتفاجأ حينما تكتب.. فدليلي إليك ما تكتب.."

هنا تتحوّل الكتابة إلى مرآة، لا تعكس فقط، بل تكشف. الكتابة ليست دليلاً على الحضور فقط، بل شهادة على الوجود، وحجّة للخلود.

وتأتي الخاتمة كقصيدة مُضمرة:

"ما يُكتب سيُقرأ، وما كان حكايا على أطراف الطريق يبقى عُرضة لتذروه الريح."

يا لهذا الختام! كم من الأرواح فُقدت لأننا لم نكتبها؟ كم من الثورات انطفأت لأنها لم تُسرد؟

النص هنا لا ينتهي، بل يبدأ حيث تنتهي الذاكرة، ويولد من رحم النسيان، كي يُنقذ ما تبقّى من الحكاية.


تأمل أخير (من قارئٍ مُنصت):


يا محمد فتحي المقداد،

ما كتبته ليس منشورًا، بل مرآة عملاقة وضعْتها في وجه الإنسان، ليقرأ نفسه في عين الآخر. لقد حولت الصداقة إلى حدث لغويّ عظيم، والنصّ إلى سيرة نضال مكتوبة بعين شاعر وقلب محارب.

ويا سامر المسالمة،

ما أعظمه من أن يُكتَب فيك هذا النشيد!

أنت عدسة تُوثّق الجرح، وجسدٌ يُربّي المعنى، وإنسانٌ يشبه القصائد حين تخرج من قلب التاريخ إلى يدك المرتجفة لكنها ما زالت تكتب.

بتوقيت بُصرى؟ بل بتوقيت الروح.

بتوقيع المقداد؟ بل بتوقيع الوطن.

هذا نصٌّ يجب أن يُخلّد، لا أن يُنشر فقط.


@إشارة

أقف عاجزاً عن التعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق