محمد فتحي المقداد
فضاءات
الأديب
محمد
إقبال حرب
محمد
فتحي المقداد
فضاءات
الأديب
محمد إقبال حرب
أنطولوجيا أدبية أدبيَّة |
2024
التصنيف
المقدمة
الحمد لله وبه نستعين:
عبارة "لمن تُقرَع الأجراس" هي عنوان رواية
"آرنست همنغواي" الأشهر، وفي الأصل هي مُقتَبَسة من كتاب "تأمُّلات"
لـ"جون دون (1624)": (فأنا معنيٌّ بالبشريَّة، ولذا لا تُراسلني
أبدًا؛ لتسألني: لمن تُقرَع الأجراس؛ إنَها تقرع من أجلك).
خطرت لي عبارة: (لمن سأكتب) أثناء التفكير بكتابة هذه
المقدِّمة لكتابي: "فضاءات الأديب محمد إقبال حرب"، وفي تخاطُر
الأفكار حضرت عبارة (لمن تُقرَع الأجراس)، لا سبب عندي لتبرير هذا الأمر،
سوى إرجاعها إلى تداعيات الذَّاكرة.
وبشكل حقيقيٍّ فإنَّني أكتبُ لمن يستحقُّ، والعلامة البارزة في
ساحات الأدب، وكثيرة هي العلامات، واِسْتنادًا لقانون الانتخاب والاِصْطفاء الوِرَاثيِّ؛
فهناك علامة واحدة تُصْطَفى من سِيَاقها لتكون في المُقدِّمة.
من هنا فقد نذرتُ جُزءًا من وقتي، وصَرَفْته من أجل الأديب "محمد
إقبال حرب"، الذي عرفته قبل سنوات، ولظروف خارجة عن إرادتنا لم يكن هناكَ
لقاء وَجَاهيًّا، إنَّما من خلال وسائل التواصل الاجتماعيِّ.
أُكبِرُ فيه الحسِّ الإنسانيِّ المُفعَم بحرارة الحبِّ والوُدِّ،
وتجاوز الحُدود السياسيَّة والاجتماعيَّة بمُعيقاتها الطائفيَّة والدينيَّة؛
ليرتقي بشخصه فوق ذلك كلِّه، ويتجلَّى هذا المنحى بانعكاسه على واقعه الأدبيِّ،
الذي يسير بُخطىً ثابتة نحو أهدافه باجتهادٍ ومُثابرة؛ ليكون هذا الكتاب عنه،
تمثيلًا لصورة مُشرقة.
حريٌّ بمن يعرفه، أو يقرأ له أو عنه، أن يتمثّل سُلوكه الذي
يُعَدّ النموذج الأدبيِّ الجدير بالاهتمام؛ ومحاولة توسيع دائرته لتشكيل حالة أدبيَّة
عربيَّة سامية، حالة جامعة تُدرِك قيمة الكلمة، وقيمة الكتاب والقراءة، ومحاولات
الاِرْتقاء، نقرأ لنرتقي.. نقرأ لنعرف.. نقرأ لنعيش. ــــا ٨/٣/٢٠٢٤
حديث
المنجز
من
الحَيْرة الكتابة عن كاتب، وبعد التوقُّف عند المُنجَز الأدبيِّ للكاتب والأديب
"محمد إقبال حرب"، تيسَّرت المُهمَّة بشكل معقول، وتشجَّعتُ
بالكتابة عنه بسلاسة، وموضوعيَّة وعقلانيَّة لا تتعلَق به شخصيًّا، بقدر ما هي
مُنصبَّة على مُنجزه الأدبيِّ والفكريَّ، وهو المقصود بحديث المُنجز.
فهو
روائيٌّ وقاصٌّ واسع الاطِّلاع، يحمل مخزونًا هائلًا من التجربة العمليَّة بحياته
من اِخْتصاصه الأصليَّ بالبصريَّات، وقد
تحصَّل على بكالوريوس العلوم الصحيَّة في إدارة الرِّعاية الصحيَّة من جامعة (أتلانتا)
2017، ومُجاز بتصوير الشبكيَّة،
ومُتخصِّص في الموجات فوق
الصوتيَّة للعَيْن.
وفي
مسار آخر يبتعد عن مجاله الأوَّل؛ فقد تابع دراساته العليا للحصول على ماجستير فنون الدِّراسات الدينيَّة –
صراع الحضارات، من جامعة (الرُّوح القُدس) بولاية (أتلانتا) في الولايات
المتَّحدة 2021.
ومن هذا الخضمِّ الواسع من الدِّراسات، ودخوله سوق العمل
في مجاله، أضاف لخبراته الحياتيَّة والمعرفيَّة كمًّا هائلًا من المخزونات المكنونة
في مستودعات الذَّاكرة، وقد عززَّها بقراءاته الدَّائمة على الأعمال الأدبيَّة
والعلميَّة، الأمر الذي شكَّل حالة يجب تسليط الضوء عليها، برؤية مُنصفة له،
ومُنحازة لإبداعاته المتعدِّدة ما بين الشِّعر الرِّواية والقصَّة القصيرة
والخاطرة. وبتفصيل لهذه النُّقطة الذهبيَّة من تاريخ "محمد إقبال حرب"
الأدبيِّ:
§
الحقيقة (رواية) 2010- طبعة ثانية 2016
§
موت شاعرة (مجموعة قصصية) 2012
§
عاشق النسيان (ديوان شعر) 2013
§
هنا ترقد الغاوية – رواية 2013 – طبعة ثانية 2014
Birth Of A Poetديوان شعر\ مقتطفات من ديوان عاشق النسيان عربي- إنكليزي 2015
Birth Of A Poet – ديوان شعر/مقتطفات
إيطالي-إنكليزي. 2016
§
يعيش النظام – مجموعة قصصية 2016
§
العميان الجدد – مجموعة قصصية –2018
§
الملعون المقدّس – رواية 2022
§
العرَّافة ذات المنقار الأسود – رواية – 2023
§
وخز الماضي- لم تنشر بعد
§
برقعد- ومضات وخواطر 2023
§
الشيصبان... قريبًا
وبعد تسليط الضُّوء على أعماله
الأدبيَّة بتفصيل أسمائها فقط، سأقف على ناصية نشاطاته، وأعماله على السَّاحة الثقافيَّة عربيًّا
وعالميَّا؛ فهو رئيس للمكتب الإقليميِّ في
لبنان، ورئيس الهيئة التنفيذيَّة الثقافيَّة - منَّظمة المُتوسِّط لتنمية الثَّقافات.
عضو مُؤسِّس لجمعيَّة المسرح العربيِّ الجامعيِّ- تونس آب 2017.
عضو اتِّحاد الكُتَّاب اللُّبنانيِّين. عضو اتحاد كتاب مصر. سفير مُؤسَّسة "ناجي نعمان" للثَّقافة
بالمجَّان. عضو فخريٌّ بمجلس إدارة صحيفة الوطن العربيّ الأسبوعيَّة الوطنيَّة
الشَّاملة- مصر
كما نشر في
عدد من كبير من المواقع، والصَّحافة المطبوعة والرقميَّة. نُشِرت
أعماله في عدد من الدُّول
العربيَّة (لبنان، مصر، الأردنّ، السعوديَّة، المغرب والعراق) وفي عدد وفير من الصُّحف
والمجَّلات الورقيَّة والالكترونيَّة "البناء اللبنانية، الأنوار اللُّبنانيَّة،
الدُّستور الأردنيَّة، اليوم والجزيرة في السَّعوديَّة، الوطن العربيّ المصريَّة،
المِدَاد الأهوازيَّة. وغيرهم.
إنجازاته ومشاركاته:
·
جائزة الأديب محمد إقبال حرب للرواية
العربية – أنشأتها مؤسسة الوطن العربي الإعلامية.
· ندوات
ومشاركات عديدة على الشبكة بواسطة زووم وغيره منذ بداية عصر الكورونا.
·
شارك في أعمال المهرجان الدولي الجامعي في مدينة المنستير- عضو
لجنة التحكيم آب 2019
·
شارك في أعمال المهرجان العربي الثامن للقصة القصيرة في
خنيفرة- المغرب كانون الأول 2018
· شارك في أعمال المهرجان الدولي للمسرح
الجامعي في مدينة المنستير –
تونس 17- 26 آب 2017
· جائزة الإبداع _ جائزة ناجي نعمان
الأدبية عن كتاب الحقيقة آب 2017
· شارك في أعمال معرض سوسة الدولي سنة
2017 - ندوة حول كتابه "يعيش النظام" كما أقيمت ندوة حول كتاب "هنا
ترقد الغاوية" في المكتبة الثقافية إضافة إلى مقابلات إذاعية وتلفزيونية.
· حفل إشهار وندوة حول كتاب "يعيش
النظام" في دار الأدباء بالقاهرة أكتوبر 2016
· شارك في
مهرجان الشعر العالمي في راهوفيتس، كوسوفو 15-17
أيلول 2015
· ندوة حول كتاب موت شاعرة وحفل تكريم
في مدينة سلا الجديدة بالمغرب، استضافه نادي القصة بالمغرب غرّة شهر نيسان 2013
· شهادة رائد في مجال الصحة العالمي-
منظمة الصحة الرائدة في العالم –
إنجلترا 2006
· عدد كبير من
الأمسيات والندوات الأدبية والشعرية في لبنان وتونس، ومصر، والمغرب، والسعودية.
· عدة مقابلات
صحفية، تلفزيونية واذاعية " لبنان، المغرب، مصر، تونس، السعودية،
لندن".
·
مقدمّات لعدد من إصدارات الأدباء
والشعراء.
سيرة حافلةٌ بالعطاء والنَّماء على مدار سنوات، استغرقت جهودًا مُضنية لهذا المُنجَر الفاخر، بمستوياته الأدبيَّة النَّاضجة، تستدعي التوقُّف في رحابها لدراستها بشكل جديِّ، ولتأخذ حقَّها على السَّاحة العربيَّة، وللفت الانتباه لتجربته داخل بلده لبنان، فهذا نتيجة الاجتهاد والمثابرة، والمُتابعة الحثيثة لمشروعه.
فلسفة
العناوين
عند
محمد إقبال حرب
عنوان الكتاب عتبته الأولى، هويَّة ومدخل، واسم ذو دلالة
تعكس صفة المسمّى، وفتح لآفاق التَّخمين والتأويل. قال الله تعالى في متن القرآن
"وعلّم آدم الأسماء كلّها"*[1].
تعليم الأسماء لآدم تشريف له على الملائكة الذين سجدوا له بأمر من الله. من هنا نُدرك
أنََّ الأسماء جميعها ضرورة وجوديَّة لأيِّ كائن أو جماد، خاصَّة عندما ينطبق الاسم
على المُسمَّى.
معرفة أسماء الحيّ والجماد ودلالاتها يحمل قدسيّة يتشرّف
بها المسمّى. وبما أن الأسماء جميعها ضرورة وجوديّة لأي كائن أو جماد نرى أن
اختيار الاسم الحقّ هو ما يعكس صفات
المسمّى ما بان منها وما خفي.
أسماء الأشياء كلمات منحوتة تُرافق الـمُسمّى منذ ولادته،
وحتّى نهاية الكون. عندما نختار كلمات نَصِمُ بها كتابًا، تتحوَّل إلى اسم أزليٍّ.
إذ أنَّ الكلمة مفتاحٌ ذات رؤىً غائرة في مجازات من التأويل والتَّخمين، ربَّما
تذهب في مسارات فلسفيَّة تختلف باختلاف القارئ لها؛ فما يفتح آفاقًا فلسفيَّة عند
البعض، وقد لا تعني أكثر من دلالتها القاموسيَّة عند البعض الآخر. في حياتنا
اليوميَّة لكلِّ شيءٍ ماديٍّ أو معنويٍّ اسم مرتبط بمعنى أو دلالة مُحدَّديْن.
فلو ذكرنا كلمة تُفَّاح؛ لأدركَ أيٌّ كان شكلها وألوانها
وربطها بذائقة الطَّعم. كما الحبُّ والفرح والسَّعادة. كلماتٌ روحانيَّة مُحدَّدة
المعنى رغم إيحاءاتها الكثيرة.
وما استُجدَّ من فكر أو مُنتَج ماديٍّ نجترح له اسمًا
يُضاف إلى ذاك القاموس الوجوديِّ. تلك هي القاعدة العامَّة التي لا يخرج عن طَوْقها،
إلَّا نوعان من الأسماء: الأبناء، والمُؤلَّفات رغم تفاوت الآليَّة إلى حَدٍّ مُذهلٍ.
عندما
ننتظر مولودًا بشريًّا؛ نُفكِّر في اسم يحمل أمانينا في كيان الطِّفل؛ فنُسمِّيه
كريمًا، أو نُسمِّيها لطيفة؛ طمعًا في وَلَدٍ كريمٍ، أو امرأة سمحة. ولا ندرك
صوابنا من خطئنا إلَّا بعدما يشبُّ الطِّفل؛ فيكون الاسم اِنعكاسًا له أو
مُناقضًا؛ فكم من "كريم" بخيل، وكم من "لطيفة" لئيمة. وكم من "ليث"
جبان.
وهذا يعني أنَّ أعمال وتصرُّفات المولود، هي التي تُعطي
اسم المُسمَّى البشريِّ معناه وصفاته. أما العمل الأدبيُّ فتتمُّ تسميته بعد اِكْتماله
ونضوجه، ويكون جاهزًا لدخول رَحِم المطبعة؛ ليخرُج وليدًا جديدًا يُحقِّق أحلام
كاتبه.
عنوان الكتاب عتَبَتهُ، بل عتبة مشتركة بينه وبين اللَّوحة
المُرافقة على الغلاف. لذلك لا بد من الكلام عنهما لتلازمهما، والعتبة ذاتها هي
المُثيرة للفضول أو المُنفِّرة.
قبل الخوْض في ذلك، يجب الإشارة إلى أنَّ الاسم واللَّوحة
النَّاجِحَيْن؛ يجب أن ينبعا من عمق الثَّقافة التي وُلد فيها الكتاب وترعرع.
إذ إنَّ الكلمات التي نَجْنيها في بيئتنا، ووطنا تُلامِس
عُمق مشاعرنا، وتتجسَّد كِيانًا في مشاعرنا كلَّما نطقناها، أو سمعناها. هذه
الكلمات التي نستقي منها عنوان عملنا الإبداعيِّ، تكون صادقة واعية بأبعادها. لذلك
يستشفُّ القارئ تلك المصداقيَّة التي تنحَّت من سِجِلِّها الاجتماعيِّ عنوانًا، للكثير من عناوين الكتب الغربية دلالات غير المعنى
القاموسي، واستخدامها على صفحة الكتاب العربي تيمنًا بـ "غربيتها" ينفّر
ابن اللغة العربية الأصيل.
والحال ينطبق على اللَّوحة بألوانها ورُسومها؛ ففي
دراسات عن الألوان؛ فإنَّ رمزيَّة اللَّوْن تُكتَسَب من المجتمع الذي نشأنا به،
وليست غريزةً متأصِّلةً.
فاللَّون الأزرق في بلادنا يُعتَبر رومانسيًّا؛ فيما
تراه أوروبا وأميركا لَوْن حُزْن وشقاء، أمَّا في الهند فهو لَوْن مُقدَّس؛ كَوْنه
لون الإله "كريشنا"، كما تعتبره الصِّين لَوْنًا أُنثويًّا. لذلك
عندما تميل لَوْحة الغلاف إلى الأزرق؛ سيقرؤها العقل الباطن في كلِّ مجتمع بطريقة
مختلفة.
لذلك على الكاتب أن لا ينجرّّ إلى مَوْضة الألوان في بلد
آخَر؛ لأنَّ تأثيره في وطنه مُختلفًا. بالضبط مثل اِسْتيراد العنوان، أو ترجمته، ممَّا
يجعله يبدو مَسْخًا لأنَّه لم يتولَّد من بيئة الكاتب.
وحيث أنَّنا نتكلم عن العنوان ولوحة غلاف الرِّواية،
علينا أن نتذكَّر أنَّهما بذات الأهميَّة؛ لأنَّهما عتبة القارئ الأوليَّيْن؛
فالمولود الذي حَملنا به لفترة طويلة، قد تتجاوز السَّنة والسَّنَتَيْن أو أزيَدْ،
يستحقُّ أن ننحت له عنوانًا عاكسًا لجوهره، بليغًا في مَرْاميه، جذَّابًا في طرحه.
علينا أن نُشير كذلك: على أنَّنا يجب أن لا نبدأ باِخْتيار
اللَّوْحة قبل الثَّبات على عنوان مُعيَّن. إذ كثيرًا ما أشعرُ أنَّ اسم كتاب ما
لا يتوافق مع لوحة الغلاف. فذلك شبيه بشراء أثاث المنزل قبل شرائه.
اسم الرِّواية مثلًا، أو أيّ عمل إبداعيٍّ أصعَبُ من اِخْتيار
اسم المولود البشريِّ. إذ غالبًا ما تكون أسماء البشر منسوخة ممَّا سبق، كاسم الجدِّ
أو العمِّ أو الصَّديق، أو اِسمًا ذا طابعٍ دينيٍّ أو سياسيٍّ؛ يُعطي صاحبه نكهة
مختلفة عن أصحاب نفس الاسم من أيِّ جيل كان.
أما اِسْم الرِّواية، الذي نحن بصدده فهو أمرٌ عسيرٌ، إذ
ليس مُستَحَبًا أو مقبولًا أن نستخدم اِسمًا لرواية صَدَرت من قبل إلَّا من قبيل
الصُّدفة. من المُفتَرض أنَّ اسم الرِّواية يجب أن يعكس فلسفة الرِّواية، وأهدافها
مع ضبابيَّة حميدة تُثيرُ شغَفَ القارئ.
من هنا أرى أن تسمية الرِّواية، ما هي إلا فلسفة العلاقة
الخاصَّة بين الكاتب، وشخصيَّات روايته وأحداثها، التي لا تنضج إلَّا بعد الانتهاء
الكُليِّ من تفاصيل العمل.
من هذا المُنطلَق سأشارككم بعض تجاربي في هذا المجال. سأشارككم
رحلتي مع اِخْتيار العنوان، واللَّوحة لِعَمَليْن من أعمال "محمد إقبال
حرب". وبالحوار المُطوَّل مع الروائيِّ "حرب"، والمتاعب
والقلق المُحيط به عندما نوى نشر روايته "هنا ترقد الغاوية"،
والاعتراضات والعقبات من الرَّقابة على المُصنَّفات، وذلك كان في طور أخذ الموافقة
على طباعتها؛ تمخَّض الحوار معه عن النتيجة التي سنعرض لها فيما يلي لنموذجيْن من
رواياته:
النَّموذج الأوَّل رواية- هنا ترقد الغاوية:
يقول محمد إقبال حرب: "حدث أن تعرَّضت ابنتي إلى مُحاولة
اِعْتداء من أحد الأقارب، حيث كانت تعيش وحدها خلال دراستها في الجامعة.
أرسلتْ لي رسالة مذكورة في الرِّواية ص 66، مع بعض
التعديلات في الأسماء والأمكنة، حتَّى لا يدخل العامل الشَّخصيّ في بُنية الرِّواية،
مما اِسْتدعى حُضوري إلى لبنان فورًا. بعد الاِطْمئنان على ابنتي، وبعد أيَّام قرأتُ
في الصُّحف عن أحداثٍ مشابهةٍ في الأردنِّ وباكستان، اِنْتهت بقتل الـمُعتدى
عليها. جرّني التفكير إلى المقارنة بين مَوْقفي الدَّاعم لابنتي، وبين قاتل ابنته،
ومن ثمَّ بدأتُ في البحث عن جرائم الشَّرف، التي بمعظمها لا تستند حتَّى على مُسوِّغ
تافه.
قرّرتُ أن أكتبَ رواية عن الموضوع، كَوْن المرأة هي أمِّي
وأُختي، وزَوْجتي، وابنتي، إضافة إلى نصف سُكَّان هذا الكوكب.
لكنَّ المادَّة حول جرائم الشَّرف غير مُتوفِّرة كون
المجتمع العربيّ، يرتكبُ جريمة الشَّرف بفخر، ويمنعُ الحديث عنها، وأسبابها، لأنَّها
تحطُّ من شرف العائلة، فتُعَنِّس "صبايا القبيلة"، كون الخطيئة بنظرهم؛
عدوى تسري في العائلات.
اِسْتدعى الأمر أن أقتني بضع كُتب أمريكيَّة؛ كتبتها
ضحايا الاِعتداءات بتفاصيل أرّقَتْني؛ فبكيتُ، وأُصِبْتُ باكتئابٍ مُزمِنٍ.
بعدما أنهيتُ الرِّواية، بدأ البحث عن اِسْم مُثير من لُبِّ الرِّواية، علمًا بأنَّني
كنتُ قد بدَّلتُ الاسم مرارًا. فمع كل اِسْم أرى أحد شخوص الرِّواية يُجابهني مُعتَرِضًا،
هذا يتَّهمني بالتحيُّز للآخرين، وتلكَ تنعَتني بالتحامل على وُجودها؛ فأشعرُ بأنَّني
لم أذهب بعيدًا في مَنجَم العناوين والأسماء.
كان حواري الدَّائم حوْل العنوان مع شُخوص الرِّواية
مثيرًا، ممَّا حمَّلني مرَّات كثيرة؛ لإعادة صياغة بعض الجُمَل، وتغيير بعض
المواقف.
شاورت صديقًا لي، وهو طبيب أمراض نفسيَّة؛ كونه اِطَّلَع
على الرِّواية؛ فأخذني إلى متاهات أعتى من دلالات الأسماء الطِبيَّة.
تشجَّعتُ، واِخْترتُ لها اسمًا مُستفَزًّا "هنا
ترقد الزانية" رغمًا عن تحذيرات دور النَّشر، التي اِتَّسمت نبوءتهم بالصِّدق
عندما حان توزيع الكتب في دول مختلفة، فقد تمَّ منعها حتَّى مع اسمها النهائيِّ.
دائمًا ما أطبع أعمالي على نُسخة ورقيَّة خوف أن تضيع من
عالم الرُّقاقات. طبعتُ منها نسخةً ورقيَّة في مُجمَّع تجاريٍّ في حيِّ الدَّوحة بمدينة
الظَّهران السَّعوديَّة.
بعد عودتي إلى المنزل لم أجِدْها، بحثتُ عنها في السُّوق
التجاريِّ من دون جدوى. خِفْت أن يسرقها أحدٌ، ويدّعي كتابتها فتوجَّهتُ إلى وزارة
الإعلام؛ فطلبوا نسخةً؛ لأخذ الموافقة على نشرها "الفسح". بعد أيَّام عُدْت
إلى الوزارة؛ لآخُذ الموافقة؛ فأوقفني رجل كبير السنِّ، وقال: (أأنتَ الكاتب محمد
إقبال حرب. أجبته بالإيجاب؛ فقال روايتك لن تُنشَر. سألته من أنت لتتكلَّم معي
بهذه الطريقة.
قال: (أنا المُدقِّق، معظم الرواية مدموغة باللَّوْن
الأحمر).
صمت قليلًا، وقال: (اِذْهب إلى المدير وناقشه).
قال المدير: تتضمَّن روايتك مشاهد خادشة للحياء، وفيها
تهكم على جلالة الملك، حيث وردت الآية "إنَّ الملوكَ إذا دخلُوا قريةً أفسَدُوها"*[2].
إن المشاهد "الخادشة" جزء من رواية تتمحور حول
موضوع الاغتصاب، وما أشير إليه يُعتَبر في قمَّة الرُقِّي والبلاغة والأدب. أما عن
الملك الذي نال على تقدير ومعرفه الروائيِّ "محمد إقبال حرب" شخصيًّا؛ فللقارئ
أن يراه كما في الآية، أو أن يراه صالحًا كما رآه الروائيُّ.
بعد جهد كبير قال: "سأتجاوزُ عن كلِّ المُحتوى الذي
علَّمه المدقّق بالأحمر بشرط أن تُغيِّر اسم الرِّواية؛ لأنَّ هيئة الأمر بالمعروف
والنَّهي عن المُنكَر قد يقبضون علينا".
"اضطررت أن أوافق على تغيير الاسم إلى "هنا
ترقد الغاوية". وذلك مما اضطرني إلى تغيير كثير من الجمل لتتلاءم مع العنوان
حيث أن نعت الغاوية لم يكن في الرواية".
"إيجاد لوحة جاهزة لهكذا عمل، استمرَّ ثلاث سنوات
من البحث والتنقيب والتدقيق، إضافة إلى اِستشارة ثلاثة أطبَّاء نفسيِّين؛ لتوثيق
مصداقيَّة الوصف والعلاج.
لذلك بدأت في البحث عن فنان تشكيلي ماهر التعبير، رهيف
المشاعر يرضى بدخول معمعة عالمي. لفت نظري خلال بحثي رؤيا جديدة في التعبير لدى
الفنان المغربي فؤاد العنيز الذي استطاع أن يجمع الألم والمعاناة التي تتعرض لها
المرأة من خلال لوحة عاصفة تعبّر عن الأمل والألم في آن"*[3].
هذه
الأمور من الصُّعوبات لا يتسنَّى
للقارئ معرفتها لها إلَّا إذا صرَّح به
الكاتب، والحديث عن مُعاناته ودوافعه ورسالته التي يريد إرسالها للنَّاس.
في
الحقيقة أنَّ الكتابة عمل شاقٌّ وعلى الأخصِّ الكتابة الروائيَّة، لأنَّها تحتاج
للوقت الطَّويل لإنجازها، وتستهلك نفسيَّة الكاتب، ووقته وجُهده، بسهر اللَّيالي
الطويلة، والقلق على أبطاله، والقراءة الدَّائمة والتدقيق لما كُتِب قبل شهر أو
أشهر سابقة، خاصًّة عندما يُصاب بالحبسة أي "حبسة الكاتب"، كما
عبَّر عنها الأستاذ "زياد صلاح" أحد النُقَّاد الأردنيِّين، وجاء
بهذا المصطلح للتعبير عن جفاف الأفكار والتعبير عنها، وخلوّ ذهن الكاتب، فيكون في
مأزق حقيقيِّ، فيبحث بدأب وتلهُّف عن مخرج صالح، يُتيح له مُعاودة الكتابة من
جديد.
وبالعودة
للروائيِّ "محمد إقبال حرب" للاستماع له عن تجربة أخرى له في
كتابة روايته الأخرى "الملعون المقدَّس"، وتلمُّس بعضًا من
مشاعره وأحاسيسه، ومن الجميل اطِّلاع القراء على حالة الكُتَّاب البائسة بشكلٍ
عامٍّ، ومدى صعوبة الكتابة الروائيَّة، الأمر الذي استسهله البعض بكتابة أيِّ شيء
من ضحالة تجربتهم الحياتيَّة، دون الاطِّلاع على تجارب الآخرين، وقراءة العدد
الكافي من الرِّوايات العربيَّة والمُترجمة عن اللُّغات الأخرى، ففي القراءة ما
يُثري ذهن الكاتب، وإضافة جديدة إلى مخزونه المعرفيِّ، كاتب الرِّواية يجب أن
يتمتَّع بالثقافة الواسعة، بفنون الكتابة أوَّلًا، والمعرفة بكافَّة أشكالها،
والسُّؤال والتحرِّي عن بعض الإشكالات العلميَّة أو الاجتماعيَّة أو التاريخيَّة،
التي بحاجة للخبير والعارف اقابض على ناصية تخصُّصه، التَّعالي على الآخرين منقصة
الكاتب.
النَّموذج الثَّاني رواية- الملعون المقدّس:
تصريح
الروائيِّ محمد إقبال حرب، عن حقيقة مشاعره التي صارت ذكريات يستطيب الكلام عنها،
بكلِّ ثقة، وسرور بتبليغ القارئ عن بعض الخفايا التي جالت بباله أثناء الفعل
الكتابي، حول فكرة العنوان وسبب اختياره، والتركيز على لوحة الغلاف، ففي كلامه
الفائدة، يُستخلَص منه الفائدة. فيقول:
(عالمٌ متلاطم من الخير والشر وعالم فسيح الصراع
الدائم في أوركسترا الوجود بين اللاعبين في حلبة الملعون المقدّس.
من هو الملعون ومن هو المقدّس؟
لم أكترث كثيرًا في هذه الرِّواية في تحديد اسمها إذ كنت
أعتقد أن ملازمتي لأبطال الرواية في كل الأوقات يسهّل عليّ انتخاب الاسم فور
ولادتها. صراع دائم مع "عرقول" الذي اتهمني كثيرًا بالتحامل عليه. لم
أقتنع معه بتحسين شخصيته حيث لم أكن قد خرجت من معاقل ودهاليز الرواية ولم يكن
"عرقول" يدري موقعة من البعد الآخر الذي كرّس طاقات الكون ليصلح عطبه
الوجداني والانساني.
أانا آبق أم طريد؟ سألني ذات مرّة وأنا أنحت مسيرته.
أجبته على أننا سويًا في قارب تائه تلاطمنا الأمواج حتى نموت أن ننجو. عندها قرّرت
أن أحسم الأمر مع نفسي وأن أجد للرواية اسمًا مناسبًا حتى أسكته بحزم يتَّعظ منه
الباقون.
مرّت على ذهني أسماء كثيرة، لم تشفِ غليلي، كما لم يُشفَ توقي لتصوُّر اللوحة. إذ
لا يمكن، برأيي، أن أختار اللوحة قبل الاسم، ولن أختار إلا لوحة يفخر بها
"عرقول" كعريس متوّج.
ما أن أدركت نهاية الرواية، وقبل البدء بتنقيحها واعادة
صياغة بعض الجمل حتى كان شغلي الشاغل عتبة الكتاب. أخذت أنحت عناوين مختلفة كجعجعة
بلا طحن. بصراحة، بعض الأسماء التي كانت في مخيلتي قد تفتح عليَّ نيرانًا أدبية
حارقة، وبعض الأسماء لا تفِ بالغرض. استقرَّ الأمر على اسم "الملعون
المقدّس" كعنوان، اسم مثير للجدل كما
اعتقدت، وكما حصل، يُلفت الانتباه ويبعث على التساؤلات. تساؤلات حملت كثيرين لأن
يسألونني عن ماهية هذا "الكفر".
أخذ صديقي الفنان التشكيلي "عبّاس دعير" على
عاتقه رسم اللَّوحة بعد اِطِّلاعه على مضمونها. تأثَّر بها وبعمق فلسفتها، كما قال؛
فرسم خمس لوحات مختلفات تعكس زوايا مختلفة من الرِّواية، لكن إحداها تجلَّت عن
ترميز مواصفات الصِّراع الذي اِشْتعل في رأس عرقول، منذ أن شاركني نفحة البُعد
الآخر المُتجلّي بألوان ورمزيَّة فائقة الدقَّة)*[4].
المنحى
الإنسانيّ نهج للأعمال الروائيَّة
عند
محمد إقبال حرب
ما بين الفكرة والموضوع وباستقراء
بسيط؛ يتمكَّن القارئ من التَّعبير الحقيقيِّ عن مشاعره وأحاسيسه حِيال أيّ شيء
يمرُّ به، وهو ما يُشكِّل خيطًا رابطًا بين أجزاء الموضوع، ناظمًا صالحًا ليكون
عمودًا فقريًّا للوحدة الصَّالحة المُعبِّرة عن حقيقة وصدقيَّة أيِّ موضوع، وفي
التَّعبير المُصطلحيِّ عن ذلك في أروقة النَّقد الأدبيِّ، بكلمة "ثيمة"
التي أصبحت تعبيرًا دالًّا عن الكتابات الأدبيَّة عُمومًا، والإبداعيَّة منها على
وجه الخُصوص إذا وُضِعت بين أيدي النُقَّاد الأكاديميِّين المُتخصِّصين والهُواة.
و لابدَّ من مُلاحظة الفروقات الواضحة
بين الموضوع والثيمة. أيُّ موضوع هو قالب شخصيِّ خاصٌّ بقائله أو كاتبه، بينما
الثِّيمة شاملة لعموم أفكار متقاربة أو مُتباعدة، تشترك بوحدة الهدف أو المقصد،
تُشكِّل مِظَلَّة واسعة تتَّسع للعديد من المقالات والأفكار والمواضيع، فهي بذلك
أشمل من وأوسع وأبعد رؤية في الاصطفاف التَّصنيفيِّ للمحتويات الأدبيَّة المُرتكزة
على قواعد فكريَّة، ومع ذلك يبقى ما تقدَّم مفهومًا فضفاضًا، لتبيان القيمة
الحقيقيَّة لمفهوم "الثِّيمة"، الذي يحتاج لبعض التَّفاصيل؛
لتجليته وفق مُعطيات المُصطلَح نقديًّا، وإزالة بعضًا من الالتباس الحاصل.
(كلمة من اللفظ اللاتيني thème"" (تايما) ويعني الشيء الذي
نضعه)* ويكبيديا، وفي التفصيل لا بدَّ من
مواجهة الإشكاليَّة النَّاشئة من الفهم للتفريق بينه وبين الموضوع والفكرة، ليكون
جنسًا مُستقِلًّا بذاته، وتنبع الإشكاليَّة لمفهوم "الثِّيمة" من
(توظيفه في مجالاتٍ معرفيَّة ونقديَّة مُتعدِّدة؛ فقد تبنَّاه الوُجوديُّون،
والماركسيُّون، والبُنيويُّون، ورُوََّاد النَّقد الظَّاهراتي، والتحليل
النفسيِّ)* ويكبيديا. أمَّا (يرتبط إشكال مفهوم الثِّيمة، خصِّيصًا عند العرب،
بصعوبة وضع مقابل دقيق لمفهوم "thème"، وذاك لاختلاف مرجعيَّات المُترجمين،
وعليه نجد مُقابَلات مُتعدِّدَة أهمّها: الموضوع، الموضوعاتي، المحور، الجذر).
بينما كلمة "ثيمة" بحدِّ
ذاتها تُشكِّل وحدة مُتكاملة لأنَّها في أساسها فكرة، وتعبير لائق بوضوح عن نصِّ
مُعتبر بتكوينه التراتُبيِّ من الكلمات والجمل، المُترابطة بتسلسلٍ منطقيِّ بحيث
لا يجعل فراغًا لتشتيت استغراق القارئ، وخروجه من رحاب النصِّ، وتتعدَّد أشكال
المُصطلح مُتراوحة بين نصوص الأدب الشعريَّة والنثريَّة والروائيَّة، التي تتوزَّعُ على دروب المشاعر والأحاسيس،
فيما بين الفرح والحزن، والخير والشرِّ، والأمل واليأس، والرُّؤى المُتوثِّبة
والاكتئاب بمنظوره السَّوْداويِّ. أرى أنه يمكننا اِعْتبار كلمة "نهج"
هي أفضل ترجمة لكلمة “Theme” حيث أنَّها
تعني نهج الكاتب الفكريّ في جميع أو مُعظم مؤلفاته.
وبعد هذه المُقدَّمة لإفساح المجال لهضم طبيعة
مصطلح "الثِّيمة"، نأتي لاستدرار هُطولات المعاني الإنسانيَّة في كتابات
الأديب الرَّوائيِّ "محمد إقبال حرب"، الأمر الذي تجلَّى في كتاباته
الروائيَّة جميعها، من خلال التتبُّع بالقراءات الواعية والدَّقيقة، لمكنونات
المخزون التراكمي الثَّقافي الدَّاخلي للكاتب، والمُنبِئ عن ثقل أفكاره الوازنة بين الفكر والتَّطبيق،
بين الكتابة والواقع، وليس من الصَّعب استنباط البُعد الإنسانيِّ المُنحاز بي
الإنسان، أينما وُجِد وكان، فقط لمجرِّد أنَّه إنسان على هذه البسيطة، مُتجاوزًا
المسافات والحدود والأديان والطَّوائف فالإنسان أيّ إنسان على الإطلاق، ما قيمته
إذا تجرَّد من قِيَم الحُبِّ والتَّسامح، بلا شكِّ ولا حاجة لتحليل وتأويل،
سيُصبحُ وحشًا كاسِرًا، لا يفهم ولا يُقدِّر قيمة للحياة البشريَّة، بل تصبح عنده
مُجرَّد أرقام وأعداد، يراها بعين الجُمود صخرًا، وبقلب لا يعدو أكثر من عضلة
تضخُّ الدِّماء لأعضاء جسمه.
هذا الجانب الأهمُّ جدير بالمُتابعة
لتسليط الضوء عليه عند "محمد إقبال حرب"، وهو من أكبر دُعاة الحريَّة،
ومقاومة الظُّلم بتجرُّد عامٍّ اِنْحيازًا للقيمة الإنسانيّة العُليا، حيث يقول في
كتابه الأخير "برقعد": "ما زلتُ أتساءل عن مفارقة أرقى المخلوقات،
يدّعي السّلام، ويقتات على بني جنسه". وللتدليل على ما ذهبتُ إليه المقال في
هذا الصَّدد أيضًا، أقتبسُ قولًا له: "أَعِيشُ في ظِلِّ طُغْيانٍ ورِثْتُهُ،
أَتَنَفَّسُ عَفَانَةً في زَريبَتِهِ رُغْمًا عَنْ شَمْسِ الحُريَّةِ"،
و"أَمْطَرَت السَّماءُ إنْسَانيّةً فَتَسَارَعَ السِياسيّون إلى مَلاجِئِهم
دَرْءًا للنَّجَاسَةِ".
وقوله: "فمن سمات البرق أن يملأ
الفضاءَ نورًا ويكشح الظلام، ومن سمات الرعد الزمجرة بصوت الحرّيّة والكرامة
الإنسانيّة، ورفع الصوت المدوّي التماسًا للتحرّر من مختلف أنواع
العبوديّات..."، وأنّ "نصْل الحربة الصدئ لا يقطع أصفاد
العبوديّة".
فالكلمة المكتوبة عند "محمد
إقبال حرب" تحكي سيرة المنحى الإنسانيِّ في مؤلَّفاته جميعها. ففي رواية
"هنا ترقد الغاوية"، و"العميان الجدد"، و"موت
شاعر"، و"عاشق النسيان"، و"ولادة شاعر"،
و"يعيش النظام".
والكلمة ثبات وتثبيت للموقف المُعلن
والمُفصَح عنه، بلا مواربة أو التواء أو تذبذب حسب المصلحة، فهو يرى بعض المسارات
الاجتماعيَّة بمختلف انتماءاتها تتغذَّى
على الكراهيَّة، ورفض الآخر، والكراهيَّة تورثُ من الآباء والأجداد إلى الأبناء،
وكذلك عقيدة القتل والثأر، فالعداء والحقد بغياب الانفتاح عوامل فتَّاكة لكافَّة
مسارات ومساحات الحُبِّ الإنسانيِّ، لذلك فالبُعدُ الإنسانيُّ الحل الوحيد للبشرية
للتخلُّص من هذه الرَّواسب ومُعيقات التواصل.
ولا يفتأ و لا يتوقَّف عن الكتابة حول
قضايا مُلحَّة بتفصيلات حياتيَّة يوميَّة، فالحبّ والكراهيَّة خطٌّ وَاسِمٌ
لنصوصه، إلى جانب الدِّين والسياسة ذات
البُعد العلمانيِّ، والولادة والموت بنظرته الخاصَّة، وتتوازع إشكاليَّة الحرّيّة
والعبوديّة جزءًا وافرًا من كتاباته، ولم ينس مجالات التصوُّف والعشق، المتوشِّحة
بأوشحة الفضيلة، ومحاربة الرذائل بجميع أشكالها وأوجهها. هذه الأبعاد سمات تتوزَّع
فيما بين الرواية والقصة والمقالة، وتترابط جميعها بوشائج متينة محمولة على الحبِّ الإنسانيِّ.
وبمتابعة مجموعة من الحوارات التي
أُجريَت مع الأديب "محمد إقبال حرب" نقتطف بعضًا من رُدوده التي تتضَّح
فيها رؤيته لتشكيل قيمة حقيقيَّة راسخة بتطابقاتها فيما بين القوْل والفعل.
السُّؤال: في كتابه "دروس من
الحياة". يقول الفيلسوف الفرنسي "إدغار موران": أنا كائن إنساني في
إلغاء لكل الهويات المحصنة بجدران الانتماء العرقي أو الديني أو الأيديولوجي
الحديدية، برأيك وأنت إنساني التوجه هل ترى الدعوة لسيادة الإنسانية هو الخلاص النهائي
لنا جميعا؟ وكيف نمنهج هذا الفكر كي يصبح في نسيج عقولنا جميعا؟.
أجاب: (الهويات المحصنة ما هي نوع
إلّا أقنعة عنصرية مغلفة بأوشحة الفضيلة، من دينية وعرقية وأيديولوجية. هذه
الهويات تحمل في طياتها كراهية مقزّزة تفرز العداء والكراهية ولا تؤدي في النهاية
إلا إلى حروب تُسفك فيها الدماء وتهتك كرامات الغير. هذه الهويات تقتات على كراهية
ورفض الأطراف الأخرى، بل ترث وتورّث العداء لكل مُختلف بقداسة تفتك بالإنسانية.
البشر وفي كل بقاع الأرض يورّثون أبنائهم الكراهية والعنصرية منذ نعومة أظفارهم
بدرجات مختلفة. أؤمن بلا أدنى شك أن سيادة الإنسانية هي الحل الوحيد لخلاص البشرية
من الحروب التي لا تشبع من سفك دماء الآخرين. الكراهية لا تفرز إلا العداء لكل ما
هو إنساني، وسفك الدماء عار لا يغسله إلا الثأر إن كان على الصعيد الفردي أو
الجماعي).
ويتابع: (في هذه الحقبة من تاريخ
الإنسانية يتم تسويق وتنفيذ مخطط العولمة الذي يكرّس عبودية الكوكب لحفنة من الدول
الاستعمارية. الحلول النظرية التي تدور في خيال الكتاب والشعراء كثيرة، لكن، في
الواقع لا يوجد حل ناجع لمنهَجَةِ الفكر البشري من جديد. غير أن السمو البشري إلى
فضاء الإنسانية في طفرة غير مسبوقة هو الحل. وهذا لن يحدث بين ليلة وضحاها).
وعلى سؤال آخر: إذا أردنا إزاحة
الستار عن هويتك الانسانية والإبداعية، ماذا سنتصفح؟.
أجاب: (لا يوجد ستارة بيني وبين
هويتي الإنسانية لأنهما واحد، أحيا في عالم يضجُّ بالبشر، بعضها تجلّى بإنسانيته
والبعض الآخر يبحث عنها، استقى من هذا وذاك كينونة وجودي، استمد هويتي، أقطف ثمار
الإنسانية لأصنع منها مداد كلماتٍ أخط بها لوحات التجلي والمعاناة، بريشة الفرح
والألم، مزيج القبح والجمال بين دفتي سجل حياتي علّ أحد من البشر يتصفحها ويدرك من
أنا).
وسُئل حول مجموعته القصصيَّة: عنوان
مجموعتك القصصية الجديدة "العميان الجدد"، هل تنعي من خلالها الحضارة
والإنسانية؟.
وكان ردُّه: (لا أستطيع أن أنعي
الحضارة التي كابدنا من أجلها مذ وُجد الإنسان العاقل. لكنني أنعي نفسي أولاً قبل
كل البشر الذين باتوا في حصار انكماش الذات، يتجرعون سُم الانحطاط الأخلاقي
والتمزق الاجتماعي، وهم سكارى بنشوة سلاف عتّقه بشر من بقايا أخيه الإنسان الذي
قضى تنكيلاً وطغياناً عبر العصور. العميان الجدد هم الذين قادوا هذا العالم إلى
الهاوية ببصرهم قبل أن يصابوا بالعمى ويدركوا بصيرتهم).
وكُتِب عن قضيَّة: تجليَّات البعد
الإنساني في رواية "الحقيقة": قدرة الشّخصيّات أن تكشف عن مشاعرها
وأفكارها، فحمّلها كلّ ما يمكن للإنسان أن يشعر بها لكن ضمن قاموس ينتمي إلى عالم
الدّجاج، وهو بذلك يستند إلى تقنية مهمة وهي الأنسنة والتّشخيص.
وفي البحث عن المنظور الأيديولوجي وهو منظومة
القيم التي تحكم الشّخصيّة من خلالها على العالم المحيط، فإنّ الرّواية تقدّم لنا
قصّة الحضارة الإنسانيّة، وفي فكّ رموز الحكاية ندرك ما قدّمته من أفكار تحاكي
الحياة من مطامع السّلطة إلى مسألة الطّائفيّة وتقدّم قضايا فكريّة والاختلاف بين
الحضارات، وكأنّنا مع أديبنا يريد أن يسقط رمزيّته على الأنظمة الفاسدة كلّها،
ولعلّه عبر التّرميز يحاول أن يقدّم رسالة إلى الشّباب مستخدمًا حكايات عن
الحيوان، فيقدّم رؤيته الأيديولوجيّة بصورة غير مباشرة، ويتخفّى وراء عالم التطّوير
طارحًا أفكاره من دون أن يشعرنا بتدخُّله كونه الرّوائي، إنّما يترك للراوي العليم
في الرّواية أن يدخلنا في رحاب السّرد.
أيضًا وفي مجموعته "يعيش
النظام" التي صدَّرها بالإهداء التالي: (الإنسان جميل جدا… ولكن ليس أيّ إنسان… استفزازا… هو الإنسان الذي تشبَّع بغرائز الكراهيَّة،
وتحلَّى بأصفاد الرقِّ في عُرس العُبوديَّة... الإنسان الذي كفر بنفسه وأهله ووطنه
فخَانَهُم دون اِحْتشام).
وعلى العموم فليس
غريبًا أن تتأجَّج الناحية الإنسانيَّة في عقول وقلوب الكُتَّاب والمُثقَّفين
والأدباء، لإدراكهم وإحساسهم وهم يتتبَّعون مواطن الظُّلم والقهر الواقعة على المُجتمعات
الإنسانيَّة؛ فلم يكُن بُدٌّ من توجيه قُدُراتهم، وآرائهم إلى الشَّرائح الاجتماعيَّة
المختلفة؛ لتبصيرهم وتوعيتهم بحقوقهم في العيش الكريم وممارسة حياتهم بحريَّة
المُعتقَد والانتماء والانتقال دون قيود وشروط بعيدًا على الضُّغوط والاضطهاد
الفكريِّ والسياسيِّ، التي تُضيِّق عليهم سُبُل العيش بالطريقة التي تحلو لهم
بكامل إرادتهم.
وهذا لا يتأتَّى إلَّا
في مناخات صحيِّة في ظل قوانين ودساتير تحفظ
هذه الحقوق والمُكتسبات، في ظل العدالة والمُساواة وتكافؤ الفُرَص.
و"محمد إقبال
حرب" الإنسان الكاتب والمُثقَّف المُثقَل بسعة اطِّلاعه وخبراته المُكتَسَبة
اِسْتطاع توظيفها من خلال موهبته في الكتابة الأدبيَّة، لتكون جُزءًا لا يتجزَّأ
من واجهة عربيَّة تتلمَّس قضايا مجتمعاتها العادلة والمُحِقَّة، وليُوجِّه رُؤاها
وفق أقانيم الحريَّة والعدالة والعيش بسلام، ونبذ العنف والتطرُّف بكافَّة أشكاله
وأساليبه في التخويف والترهيب.
وبذلك جاءت جميع
كتاباته حاملة للهمِّ الاجتماعيِّ، وطرائق التخلُّص في سبيل الوصول الآمن إلى
غايات وأحلام ناقلة على محامل الأمان إلى المُستقبل المنشود، وكلّ ذلك اتَّضح بأبعاد
الفكر الإصلاحيِّ الذي ينشد السلام والأمان تمهيدًا للتقدُّم العلمي واللَّحاق
بركاب التقدُّم العلمي ومُسايرة القافلة الأمميَّة بالإمساك بأطراف المستقبل، ولا
يتمُّ ذلك إلّا من خلال منظومة متكاملة مُتناغمة مُتفانة في أهداف الأمَّة. وهو ما
لمسناه من خلال تتبُّع صورًا من حواراته، وجميع كتاباته الأدبية على مختلف أناسها، نجدها حاملة لكثير من الهموم
والقضايا الاجتماعية والسياسيَّة والاقتصاديَّة.
كُلُّهم يعلَّمون..
وفيما يلي مقالته تلك التي استجاب
فيها لطلبي بمشاركة الكتابة في مُلحقٍ خاصٍّ برواية (خيمة في قصر بعبدا.
للروائي محمد فتحي المقداد) الجريئة بطرحها لمناقشة قضية السلم الأهلي
والاجتماعي بين الشَّعبين السُّوري واللُّبناني، بطرحها البعيد عن المطب الطائفيِّ
والذي هو مستنقع قذر إلى جانب السياسة اللذيْن لوَّثا العلاقة الأوليَّة بين
الشعبيْن، وباعدت بينهما بشكل واسع وفاضح.
وهذه رؤية الأديب والروائي: محمد
إقبال حرب. من لبنان كما كتبها حُبًّا وكرامة استجابة لحسِّه الإنسانيِّ بعمق وثقل
القضيَّة، إلى جانب مجموعة أخرى من الكُتَّاب، من مختلف بلاد الشَّام:
(وقفتُ على تلٍ في قرية المطلِّة الجنوبيّة
اللُّبنانيّة مذهولًا. أقفُ قرب حاجز حجريٍّ، يدعمه رادع أسلاك على بُعد أمتار
ناحية الأرض المغتصبة.
بعد قليل بدأت سيّارات الأمم المتّحدة
تمرّ بنا؛ لترصد حركاتنا حفاظًا أمن الطرف الآخر. قال لي صديقي: لو أردتَ أن يكون
اسمكَ في الصّحافة والإذاعات حول العالم؛ اِرْمِ زُجاجة البيبسي الفارغة إلى
الناحية الأخرى؛ لتَتِمّ مُتابعة عملك الإرهابيّ.
ضحكنا لخيبة قوّات السّلام التّابعة
للأمم المُتّحدة، وخيبتنا. لكنّني ذرفتُ دموع حسرة داخليّة. نحن ها هنا في وطني
لبنان، جبل الشّيخ، خميلة سوريا إلى شماليّ؛ موزعًا بين سوريا ولبنان والعدوّ
الصهيونيّ. هذا الجبل المُقدّس الذي حمل اسمه الإله بعل حرمون يكبّل العدوّ جُزءًا
احتّله؛ فيما الباقي منطقة عسكريّة لبنانيّة وسوريّة.
هذا الجبل كان جزءًا من سوريا قبل
خربشات (سايكس وبيكو) التي قسّمتها إلى أربع دول. أمامي، بل على بُعد خطوة واحدة
فقط أرض الجليل المنهوبة. كيف أصبح شريط شائك يقطع السَّهل الواحد حدودًا. كيف
يمُرّ النّهر من أرضي في سهلي، قُرب بيتي؛ فيأتي من يَضُع أسلاكًا شائكةً، يستولي
من خلالها على السّهل ونصف البيت، ومياه النهر ومصبّه.
إنّه العدوّ، إنّها المؤامرة التي
يَلُوكها النّاس؛ لتغطية عجزهم مُدَارين الضَّعف والخيانة والصّراع على السّلطة
بين أبناء الوطن الواحد.
تذكّرت تلكَ الشَجرة بين الحُدود
اللُّبنانيّة والسوريّة. عليها يافطتين، واحدة للمسافر من لبنان إلى سوريا تقول:
"أهلًا بكم في سوريا"، وعلى الناحية الأخرى تُرَحّب بالقادمين من سوريا
"أهلًا بكم في لبنان". ماذا لو ماتت الشجرة، احترقتْ أو جُزّتْ؟.
هل سنفقد الحدود، وتقوم حرب لإعادة
ترسيمها؟ أليس من العار أن تتقَسَّم الأرض الواحدة إلى ثلاث، بل أربع، سوريا
ولبنان وفلسطين والأردن؟ أليس من العار أن تعيش عائلات وقبائل على أرض بضعة آلاف
سنة؛ تتشارك خير ممالكها، تَدْمُر وصُور وفينيقيا وإيبلا وغيرهم، كما تشاركت مرارة
الاحتلال القادم من بلاد الرّافدين، وفارس كما اليونان والرُّومان والمغول، وأن
تتنافس على الكراهيّة.
تشاركوا السرّاء والضرَّاء تحت راية
دولة واحدة تشعبَّت فيها العائلات وتصاهرت، حتى أصبح اسم العائلة الواحدة
مُترامِيًا بين أطراف سوريّا الغائرة في التَّاريخ كدولة واحدة. تمَّ تقسيمنا إلى
أربعة دُوَل، كما قسّم دُوَلًا أخرى عربيّة، وغير عربيّة، وأعلن كلّ منها نفسه
أمّة. صدّق الشَّعب المقولة؛ فأقام الحدود وهيَّأ الجُيوش لمحاربة ابن الوطن في
الضفة الأخرى.
زرع الحُكّام الطائفيّة والمذهبيّة والشِّعارات الوطنيّة الكاذبة في نُفوس
النّاس، وقتلوا من يُعارض، أو من يُبدي حِسًّا وطنيًّا للمحافظة على عروشهم. ولكونهم
لا يحلمون بما سَرقُوا؛ قرَّروا جماعة فيما بينهم إفْقار الشَّعب، تدمير هُويَّته،
سَلْبه الإرادة؛ ليدوم سُلطانهم. أصبحوا أكثر شراسة من المُحتلّ العُثمانيّ، الذي
فَشِل في سَلْبِنا هُويّتنا، رغم سَلْبِه كلّ شيء آخر.
جمهوريّات-ملكيّة تمتلك الأرض والشَّعب، تُخفي الحقيقة، تُزيل آثارها،
وتُقوِّي سُبُل العِداء بينها، وبين الدَّولة المُحاذية التي كانت وطنًا للجميع. إذا
ما نظرنا إلى كِتاب رواية "خيمة في قصر بَعَبْدا"، الذي يستشعرُ نزف
الألم وعُمْق المعاناة، نراه يتساءل عن الحقيقة.
كيف يمكن لشعب واحد أن يكره نفسه؟ كيف
للعائلات المسيحيّة التي جاء معظمها من سوريّا في القرن الماضي، تحت مَلاذ
المُتَصَرِّفيّة التي صنعتها الدُّول الكبرى حينذاك أن تعادي سوريا؟.
كيف لأبناء القرى الحُدوديَّة
المُتصاهرة أن تتخلى عن لُحمة الدم؟. وكيف للجيش السُّوريّ؛ الذي دَخَل حاميًا ضمن
قُوّات الرَّدع العربيّة أن يصبح جيشًا مُحتلًا؛ يطلقُ يد جنوده؛ لاستباحة دولة
لبنان، ويتحكَّم في كلّ مفاصلها؟.
كما يسأل: لماذا يقفُ الشَّعب
اللُّبنانيّ موقفًا سلبيًّا في أحيان كثيرة بوجه اللّاجئين؟ وكيف لم يَرُدّ
اللُّبنانيُّون جميل السُّوريّين؛ باستضافتهم المُهجّرين من لبنان خلال حرب الـ
2006م.
أجاب كاتبنا الرّاقي عن كثير من
الأسئلة، ولا داعي للغوص بتفاصيلها. لكن يجدُرُ بنا الإشارة إلى بعض الحقائق، ليس
دفاعًا عن هذا أو إدانة لذاك.
أعتقدُ أنّ من سياسة سوريا، هي إبعاد
شبح الوحدة مع لبنان، أو على الأقلّ إزالة العوائق بين الشَّعبين، وكسر الحال
الاقتصاديِّ المُرَفّه في لبنان، حتّى لا يبقى مثالًا يستخدمه أبناء سوريا ضد
الحُكم. لذلك كانت تصرّفات جُنودها مدروسة، مدعومة، كما كان ضرب أيّ فئة في لبنان
تُظهر تمردًا. لذلك نرى أنّهم قَضُوا على اليسار اللُّبنانيّ، كما اليمين. أثاروا
النَّعرات، وحاربوا المسيحيّ والمسلم كلٌ على انفراد.
كما أدخلوا نِظام المُحاصصة
الطائفيّة، بدعم كبير لتكون بذرة فتنة دائمة. كانت الطائفيّة موجودة مُنذ العهد
العثمانيِّ، لكنّها مُكبّلة إلى حدٍّ ما. لكن شراستها بعد الوُجود السُّوريّ بقيت
بعد خروجه سرطانًا قاتلًا. في حرب 2006 كان الوُدُّ بين الشَّعبين ما زال قائمًا،
ولو على استحياء؛ فاستضاف الشَّعب السُّوريّ الشَّعب اللُّبنانيِّ بحبٍّ ووفاء
وعطاء. لم يَدُم بقاء اللُّبنانيِّين كثيرًا في سوريَّا؛ لذلك لم يكن هناك وقت
كاف؛ لمعرفة تأثيره على الدَّاخل السُّوريّ اجتماعيًّا واقتصاديًّا.
في المقابل، وبعد سنوات عِجاف على سوريَّا وشعبها، ودُخول عدد كبير من
النَّازحين السُّوريّين إلى لُبنان المُحطّم اقتصاديًّا، في دولة فاسدة بكل
مفاصلها؛ بدأت مظاهر التأفُّف والعداء تظهر بين الفَيْنة والأخرى.
لكن لا ننسى الاحتضان الكبير لهم في
مناطق عديدة. هناك نقطة تعتبر ذات حسنات وسيئات كبيرين. لم يُقِم لُبنان مُخيّمات
للسُّوريّين أسْوة بالأردنّ وتركيا وغيرهم، بل اعتبرهم أبناء وطن. هذا من ناحية
أعطى للمواطن السُّوريّ حُريّة التَّحرُّك إلى حَدٍّ كبير مع إجراءات أمنيّة،
وتسجيل معلومات وتصاريح عمل.
لكن ذلك لم يمنع الكثير من العمل
بِحُريّة بدون تلك الأوراق. هذا الجانب المُضيء له مفعول عكسيّ مع انهيار
الاقتصاد، وَشُحّ الدّخل وعجز الدولة عن تأمين سُبُل الحياة من كهرباء وماء لحوالي
مليونيْ مُواطن سوريٍّ في لبنان.
أعتقد أنّ الوضع الاقتصاديّ، وسوء
تصرّف دولة لبنان، وعدم رغبة الحكم في عودة كثيرين إلى وطنهم؛ أثار نعرات وذكريات
وجود الجيش السُّوريّ. تُرجم ذلك إلى أعمال عِدائيَّة ضدَّ بعض المُواطنين
السُّوريّين ببشاعة وقسوة في بعض الأحيان.
لن أطيل أكثر، بل أقول: إنّ الوُدّ
والتعايش بين الشَّعبيْن موجود من خلال الرّباط العائليّ لكثير من العائلات،
والمصالح الاقتصاديّة لشريحة كبيرة من الشعبيْن. لكنّ التصرُّفات السياسيّة
الخاطئة من الطرفين، أدّت إلى ما نحن فيه. لستُ مُتفائلًا بمستقبل العلاقات
الاجتماعيّة، لأنّ الوضع الاقتصاديّ ينذر بكوارث أكبر في البلدين. كما أنّ وجود
النازحين لن ينتهي في وقت قريب، نظرًا للظروف الإقليميّة والدُّوليّة التي تُحاول
رسم عالم جديد بخريطة جديدة.
هنا أستذكرُ قصّة رواها والدي، قال:
كُنّا، أنا ونائب في البرلمان من آل الحج في ساحة الشهداء ذات يوم من ربيع سنة
1948. رأينا باصات كثيرة من فلسطين، والنَّاس تُوَلول مع بكاء ونحيب. سألنا
القادمين عمّا حدث؛ فقالوا: أجْبَرَنا الإنكليز على مُغادرة ديارنا لمدَّة أسبوعيْن،
حتّى تتمّ تسوية المشكلة مع اليهود. كثير من الفلسطينيّين كانوا في هدوء، لا يشغلُ
بالهم إلا إيجاد مكان يُؤويهم خلال الأسبوعيْن القادمين. بعدما غادرناهم نظر إليّ
نائب البرلمان، وقال: "حسن، لن يعودوا إلى بلادهم مُطلقًا". سألت والدي
وقتها: "هل كان النّائب يعلم بالنكبة؟".
قال: "كُلّ الحُكّام العرب آنذاك
كانوا يعلمون").
حديث
الجائزة
أفخر
وأتشرَّف بالحصول على جائزة الأديب "محمد إقبال حرب" للإبداع لعام 2021،
وذلك عن مجموع أعمالي الروائيَّة "دوَّامة الأوغاد"، و"الطريق إلى
الزعتري", و"وفوق الأرض"، و"خيمة في قصر بعبدا" تحت
الطبع. بعد ترشيحها للجان المختصَّة والمسؤولة في "مؤسَّسة الوطن العربيِّ
الإعلاميَّة" التي أسَّسها الأستاذ الدُّكتور "علاء الدِّين سعيد"
في لندن بالمملكة المُتَّحدة.
ولا أستطيع إخفاء
حقيقة مشاعري الداخليَّة، فلابدَّ من إبداء سعادتي العظيمة بهذا الفوْز، وهذه
المنحة التي ساقها الله لي كرزق معنويِّ، والفوز بحدِّ ذاته نجاح يزرع الأمل
بمواصلة الدَّرب، ويجعل الآمال والأحلام تتقافز لبلوغ حدًّا يُطاول السَّماء.
وهي أوّل جائزة أدبيَّة على هذا
المستوى الدَّوليِّ الرَّفيع أحصل عليها، وبالنّسبة لي أعتبرها خطوة رائدة، وحسب تعبير مؤسَّسة الوطن
العربيِّ الإعلاميَّة على لسان الأديب "محمد إقبال حرب": (وتهدف
الجائزة إلى ترسيخ حُضور الرِّوايات العربيَّة
المتميَّزة عربيًّا وعالميًّا، وإلى تشجيع وتقدير الرَّوائيِّين العرب المُبدعين
للمُضيِّ قُدمًا نحو آفاق أرحَب للإبداع والتميُّز، ممَّا سيؤدِّي إلى رفع مستوى
الاهتمام، والإقبال على قراءة الرِّواية العربيَّة، وزيادة الوعي الثقافيِّ
والمعرفيِّ)*[5].
وفي قرار اللجنة جاء مايلي:
)جائزة محمد إقبال حرب للرواية العربية
لعام 2021) تنفيذاً لقراري رقم 17 لسنة 2022م الصادر عن "مؤسسة الوطن العربي
الإعلامية بلندن - المملكة المتحدة" بشأن "تكريم المرشحين لجوائز
الإبداع التي شرفنا بتسميتها بأسماء رموز الإبداع العظماء في وطننا العربي في
مجالات مختلفة" عن عام 2021م بمناسبة العيد الثاني عشر لمؤسسة الوطن العربيِّ
الإعلاميَّة بلندن - المملكة المتحدة، سيتمُّ بإذن الله خلال ساعات نشر صور شهادات
تكريمهم وتقديرهم وأَشرُف بنشرها على صفحتي هنا أوَّلاً، وهم حسب جوائز الإبداع
الممنوحة لهم طبقاً لمجال كلٍّ منهم: (حقل الرواية)
"جائزة الأديب الأستاذ محمد إقبال حرب
للإبداع ل2021م في مجال الرواية" - الجمهوريَّة اللبنانيَّة Mohammad Ikbal
Harb".
* تمُنَح إلى كلٍّ من الفائزين بها، السَّادة:
-1 الأديب الدكتور. أحمد سماحة-
جمهوريَّة مصر العربيَّة.
2-الأديب
الأستاذ. محمد فتحي المقداد- الجمهوريَّة العربيَّة السوريَّة.
3-الأديبة
الأستاذة. لينة مصطفى كريدية-الجمهوريَّة اللبنانيَّة.
السفير الدكتور. علاء الدين سعيد
*=*=*=*
وبرؤيتي الواقعيَّة أن الجائزة جاءت
بشكلها عربيَّة غير مُنحازة لقطر دون آخر، والأستاذ "محمد إقبال حرب"
لبنانيُّ الجنسيَّة، وهو قد تسامى فوق جميع الاعتبارات القُطريَّة والطَّائفيَّة
بترشيحه شخصيًّا لي بالذّات، وأنا كمواطنٍّ سوريٍّ لا شكَّ أنَّني غير مُرحَّب بي
في أوساط لبنانيَّة.
بعد إعلان قرار اللَّجة السَّابق
الصَّادر عن مؤسَّسة الوطن العربيِّ الإعلاميَّة، تشكَّلت لديَّ قناعة راسخة،
بأنَّ الشُّعوب وبعيدًا عن السِّياسة التي خرَّبت علاقاتها وقطَّعت أواصرها،
وجيَّشتها باتِّجاهات حاولت تأصيل العداء وتجذيره بين أبناء البلد الواحد، فلا فرق
بين لبنان وسوريا أبدًا، ممَّا يجمعنا أكثر ممَّا يُفرِّقنا أو نختلف عليه،
فالمصير واحد والعدوُّ واحد والتحدِّيات العمياء التي تواجه الإقليم نفسها.
وأثناء كتابتي لروايتي "خيمة في
قصر بعبدا" ذات البُعد الثقافيِّ والاجتماعيِّ، وأخذت مسارًا مُغايرًا للواقع
والمعتاد، فراحت تبحث على السِّلم الأهلي والاجتماعيِّ بين البلديْن الشَّقيقيْن
سوريا ولبنان، ورجعت للأصول ما قبل (سايكس بيكو) للكشف من جديد عن العائلات
والعشائر ذات الأصول والمنابت الواحدة، وهي محاولة تُغرِّد خارج السِّرب، وتسبح
عكس التيَّار.
وفي سابقة غير مألوفة، اشتغلتُ على
مُلحق بالرواية فريد من نوعه، بعد البحث عن كُتَّاب ومُثقَّفين من دول الإقليم
(بلاد الشَّام) الأربع، ووقع اختياري على اثنين من كلِّ قطر منها، وكان من لبنان
"محمد إقبال حرب" والسيِّدة "حنان المير"، فهما يحملان نفس
الرَّؤية المُتطابقة لخطِّ رواية "خيمة في قصر بعبدا"، وكتب الجميع من
سوريا وفلسطين والأردن ولبنان، ليكون
مُدوَّنة سرديَّة ووثيقة شاهدة على لحظة تاريخيَّة من حياتنا نحن أبناء الشَّام،
مليئة بالشَّجن والحُزن، ولكنَّ الأمل الطَّافح طغى على الموقف، ليُبرز حقيقة
مشاعر وعواطف أبناء بلاد الشَّام بعيدًا عن عهر السِّياسة، وانتهازيَّة
السياسيِّين.
الحوار
الهادئ
محمد فتحي المقداد وجهَا
لوجه مع محمد إقبال حرب
بطاقة تعريفية:
قبل الدخول في حوار مع الكاتب محمد
إقبال حرب، لابد من إشهار بطاقته الأدبية؛ فهو عربي لبناني المولد والمنشأ، عاد
قبل سنوات إلى مسقط رأسه بعد رحلة اغتراب أميركية- سعودية، متخصص في مجال البصريات
الدقيقة.
احترف الكتابة الأدبية هناك وتابعها
بعد عودته إلى لبنان، ليكون هويته الأدبية من خلال نشره لأعماله الموزعة ما بين
الشعر والرواية والقصة. يعني أننا أمام أديب شامل.
في مجال الشعر:
ديوان (عاشق النسيان) 2013/ ديوان
(مقتطفات من ديوان عاشق) النسيان عربي- إنكليزي 2015
1-
Birth Of A Poet
– ديوان شعر/مقتطفات إيطالي-إنكليزي. 2016
وفي الرواية صدر له:
·
الحقيقة – رواية 2010
·
هنا ترقد الغاوية – رواية 2013 – طبعة ثانية 2014
·
الملعون المقدّس – رواية 2021
·
العرّافة ذات المنقار الأسود_ 2023
القصة القصيرة:
· موت
شاعرة (مجموعة قصصية) 2012
· يعيش
النظام – مجموعة قصصية 2016
· العميان
الجدد – مجموعة قصصية –2018
كما أنه عضو اتحاد الكتاب في لبنان ومصر، والعديد من المنتديات
الثقافية. ومؤخرًا المنجز الأبرز عربيًا هو (جائزة الأديب محمد إقبال حرب للرواية
العربية) التي أنشأتها مؤسسة الوطن العربي الإعلامية.
في حوارنا مع الأديب محمد إقبال حرب، يطيب لنا توجيه العديد من
الأسئلة حول رحلته مع الكتابة التي شكلت ملامح مسيرته الأدبية.
بداية أود أن أشكرك صديقي الروائي
القدير محمد فتحي المقداد على هذه المبادرة التي تعمل على التواصل الفكري والحوار
البناء.
§
نصُّ الحوار:
س1): من اللَّافت لانتباه المتابع لتجربتك الكتابية، أنَّها
تتراوح ما بين أكثر من جنس أدبي (الشعر والقصة والرواية)، إن دلّ ذلك على سعة
اطلاعك وثقل مخزونك المعرفي. هل من الضروري للكاتب تحديد الهوية الأدبية، أي
الاختصاص في جنس أدبي واحد؟.
*ج- حيث أن مهمة الكاتب هي إيصال الرسالة المرجوة بأفضل الطرق
إلى القارئ فإن تنويع أساليب الكتابة هو من أفضل المحفزات للكاتب للتعبير عن
رسالته. تقييد الكاتب بجنس أدبي واحد عندما يكون حاملًا للموهبة ظلم له وللقارئ.
س2): من المعلوم أن الشعر هو المنتقى الأرقى والأجمل من كلام
العرب، والشعراء من يتقدم الصفوف، وتبسط لهم ساحات الأمسيات على الدوام. لوحظ
انحيازك وتحولك للكتابة الروائية. هل جاء هذا التحول محض قناعة بصحة اختيارك؟ وهل
ذلك برأيك هو تنازل من مرتبة الشعر إلى السرد الروائي؟.
*ج-
اسمح لي بداية أن أعترض على مقولة "تنازل من مرتبة الشعر". علمًا أن
الشعر قد تبوأ عرش الكلمة منذ فجر التاريخ لنقاء حرفه وقدسية معانيه. لكن الحقيقة
تكمن في أن الكتابة الأرقى هي البليغة، الرصينة، الوجيزة، الهادفة في أي نوع من
أنواع الكتابة. أما اختياري للرواية وغيرها من أنماط الكتابة ليس انحيازًا، بل
يعود إلى نوعية المواضيع التي أخوض بها والتي أستطيع الإبحار في كينونتها بطريقة
أفضل من خلال الرواية والقصة والمقالات أكثر من الشعر، فالشعر لديّ
"هبّات" تأتي وتذهب أما "شيطان" الرواية والقصة فيلازمني طيلة
الوقت.
س3): في الآونة الأخيرة تتردَّد مقولة: (الرواية ديوان العرب)،
برأيك: فهل ستحتل الرواية المقام الأول في الأدب العربي، وهل ستكون قادرة على
التربع على القمة إذا استطاعت إزاحة الشعر للمرتبة الثانية بعدها؟.
*ج- لا أعتقد أن الرواية هي ديوان العرب حيث إن الرواية بشكلها
العصري جديدة على بلاد العرب وتحتاج إلى وقت طويل لتتألق ابداعًا. ومن ناحية أخرى
فإن عدد الروّاد المبدعين هم قلة لو أخذنا بالاعتبار حجم العالم العربي.
وما هذا بشح في كمّ المبدعين، لكنهم متوارون بسبب اهمال أصحاب
القرار من مد يد العون لهم، ماديًا ومعنويًا. هذا من الناحية الأدبية أما من
الناحية التجارية فالشعر لا يبيع عادة إلا في الندوات، ليس في العالم العربي، بل
في الغرب كذلك. هذا الكلام صادر عن دور النشر العربية والغربية على حد سواء.
فكثير من دور النشر توقفت عن طباعة الشعر لعدة أسباب أهمها عدم
وجود روّاد لاقتناء الدواوين، لذلك نرى أن بيع الدواوين يتم عادة في حفلات
التوقيع. أعتقد أن مرد ذلك إلى أن الشعر الحقيقي نادر، كما الشعراء. ففي عصر
انحسار القراء الجادّين يعاني الشعراء والكتاب على حد سواء. وحيث أن الروايات
العربية الأصيلة نادرة حيث نرى أن غالبية الأعمال الروائية مقتبسة أو غير متكاملة
لسبب أو لآخر.
لذلك أجد مصطلح أن "ديوان العرب" تسمية
خاطئة. أعيد القول على أن أصحاب الموهبة كُثُر لكنهم لا يجدون الدعم والتوجيه
اللازمين. وما هو موجود من كتّاب عمالقة ما هو إلا نتيجة جهد شخصي ومعاناة معظم
الأحيان.
ويبقى السؤال "هل ستكون قادرة على التربع على
القمة؟". والجواب لا لسببين، أولًا عدم وجود عدد كاف من القرّاء الجادّين،
ثانيًا ندرة الروايات الجيّدة الخالية من الأخطاء اللغوية والموضوعية.
س4): في الآونة الأخيرة تطالعنا وسائل التواصل ومحركات البحث
على الشبكة العنكبوتية، بسيل جارف من العناوين لأعمال روائية صادرة حديثًا. برأيك:
هو هي السهولة في تناول الكتابة السرديَّة ما جعل صدى الرواية عاليًا؟. علمًا أنَّ
كثيرًا من الأعمال الروائيَّة كانت تجربة لكاتبها. ممَّا يخلق إشكاليَّة لمُخرجات
ذات مستويات مُتدنيَّة، لا تساوي قيمة الحبر والورق الذي كتبت عليه. ما هو المخرج
من هذا المأزق؟.
*ج- سؤال مهم، كثرة الإصدارات "التافهة" يعود أولًا
لسهولة الطبع وعدم اكتراث معظم دور النشر لنوعية وجودة الرواية، بل حتى سلامة
لغتها. ثانيًا، عدم محاسبة النقّاد والقراء للكاتب الذي قدّم مستوى متدن من
الكتابة. أقولها وبصراحة أنني أرمي تسعة أعشار الكتب التي أحصل عليها أو أشتريها
بسبب رداءة العمل. وبعد بحث الأمر مع أدباء آخرين أدركت أن الوباء شامل. الحل يكمن
في تأكد دُور النشر أولًا من صلاحية ما ينشرون، لغة وموضوعًا وطرحًا، قبل البحث في
الشق المادي. النشر رسالة كما الكتابة، كما أن الذوق العام له دور كبير. ودور
النقّاد في المحاسبة تراجع إلى مستويات خطيرة كما دور الصحافة في الإضاءة على
الكتب المميزة والكتّاب الموهوبين. لذلك على الجميع العمل ضمن خطة معتمدة، ربما
تحت اشراف وزارة الثقافة.
واسمح لي بالإفاضة في جوابي حول نقطة هامّة. إذا ما كانت
الدولة عاجزة أو هاملة لموضوع اللغة والثقافة يجدر بدور النشر الذين هم المستفيد
الأول من تجارة الكتب أن يعملوا مع المدراس على تشجيع القراءة وإقامة مباريات
وإعطاء محفّزات للطلبة من أجل بناء جيل قارئ يعتبر القراءة غذاء فكري يومي. كما
أرفض مقولة أن الكتب غالية الثمن، فثمن الكتاب أقل بكثير من سعر وجبة سريعة أو
"أرجيلة".
س5): ما هي الكفايات المعرفية والأدبية الضرورية، لكل من أراد
سلوك درب الكتابة السردية الروائية والقصصية؟
*ج- باعتقادي لا يوجد كفايات معرفية وأدبية لأننا إضافة إلى
الموهبة وتعلم اللغة العربية تعلمًا صحيحًا نحتاج للقراءة الدائمة في كل المجالات
لأن عالم الرواية عالم متكامل ينهل من كل أنواع المعرفة. طبعًا، قراءة أمهات كتب
الأدب العربي والروايات العالمية والعربية تحسن من الأسلوب والاستراتيجيات لكن
التوسع في عالم المعرفة أهم رافد لرسم لوحة روائية متكاملة، فرغم أن الظلال في أي
لوحة لا تحمل بمفردها معنى لكنها هي روح تلك اللوحة وجمالها.
س6): ما بين الموهبة الأدبية والاحتراف مسافة يجب اجتيازها.
برأيك: كيف يستطيع الكاتب تجسير هذه المسافة؟ وهل التعويل على الهواية والموهبة
ستصنع أدبًا حقيقيًا؟
*ج-
للأسف، لا يوجد في بلادنا احتراف، فالاحتراف ليس تكريس وقت كامل للكتابة، بل
تعهُّد من الدولة بتأمين أسباب الحياة للكاتب، فالكاتب المحترف في بلادنا لا يتحصل
على قوت يومه إلا بشق الأنفس، كما لا يتحصل على أي نوع من التأمينات الحياتية
والصحية ولا يتم دعمه ماديًا من أي جهة. إذا تغير القانون وأصبحت الكتابة مهنة لها
دعائمها سنعوّل على أدب أفضل بفضل المواهب المنسية. حاليًا، أحيي كل صاحب الموهبة
ورسالة في أي مجال أدبي لاستمراريته متحديًا اليأس من أجل مستقبل يحلم به.
س7): ما بين إصرار العديد من الكتّاب على أن نصوصهم واقعية
ومقتبسة من الواقع، وحكايات الجدّات والمجالس والطفولة، نحن أمام إشكالية الكتابة
الحداثية وما بعد الحداثية كمرحلة متقدمة، برأيك: ما هي الكيفية التي نستطيع من
خلالها التوفيق بين حالتين متباينتين حد التناقض؟.
*ج- برأيي
أن الحداثة كلمة غربية مشوِّشة لأنها ولدت في ثقافة وعالم مختلفين. لكن بمعناها
المبسط تعني الكتابة بلغة العصر، أي أن نأخذ بالاعتبار ثقافة هذا الزمن وأسلوب طرح
وحل المشكلات. المشكلة الأكبر في عالم الكتابة في عالمنا العربي هو قصور الكتاب عن
البحث والاستكشاف والتأكد من صحة ما يزعمه الكاتب قبل
نشره، إضافة إلى عدم طرح مادّته على متخصص في التنقيح، ناهيك عن أن خيال كتّاب
الرواية والقصة بشكل عام محجور في زمن "الجدّات" وحكاياتهن. الإصرار على
هذا النمط في الكتابة نابع من إصرار هذه الأمة على العيش في زمن السلف مع سرقة
أسباب الحياة من الحاضر على مضض. المشكلة ليست في عالم الأدب فحسب فهي واقع
اجتماعي شامل. للخروج من هذا المأزق في عالم الأدب على الكاتب أن يعيش حاضره وأن
يستشف الزمن المستقبلي بأحلامه وآماله ومستجداته حتى يستطيع الكتابة بصورة تتناسب
مع عصرنا وطريقة تفكيرنا، وحتى نستطيع أن نخاطب العالم من خلال منظور عصري. أي
عليه أن يتمرد على الحاضر والماضي ليكون كاتبًا حداثيًا صاحب رؤية.
س8): السياسة والدين والجنس، مأزق ثلاثي الأبعاد، الاقتراب من
إحداها يكون مثار إشكالات لا حصر لها، بعض الكُتَّاب ضرب بعرض الحائط المعتقدات
الدينيَّة والأعراف والتقاليد الاجتماعية. فهل يعد ذلك تجديفًا ضد الأديان
السماوية، وتعهير للقِيَم المُتأصِّلة بعميق جذورها في مجتمعاتنا العربيَّة
والشرقيَّة؟
*ج- هذا
الثلاثي يحمل شارة القُدسيَّة، ومن حملها عصم نفسه من النقد واللوم. لذلك من غامر
واقترب منتقِدًا فتح على نفسه عشَّ الدَّبابير وأحيانًا أبوابًا أخطر على كيانه
ووجوده. ومع ذلك أجد نفسي متمرّدًا على هذا الثلاثي الأبعاد ودائمًا ما أثير
التساؤلات وأطرح شكوكي وأفكاري التي يعارضها كثير حتى أستطيع دمغ موقف صريح مما
أطرحه. وهذا ليس بعمل بطولي، بل هو واجب على الكاتب والمفكر من أجل صالح
الإنسانية، إن أخطأ أو أصاب. لكن هناك أصول وأساليب للاقتراب، فلا أقلِّل من شأن
أي معتقد، ولا أذمّ في التقاليد الاجتماعيَّة كما لا أتخذ الجنس مسألة سخرية، بل
أعارض المفاهيم بجرأة وأعارض كثير المسلمّات المتوارثة تارة بقوة وأخرى بالرمزية.
أعاني بعض الأحيان من البعض كما أجد الكثير من المؤيدين. الفخ الذي يقع فيه كثيرون
خلال اقتحامهم هذا الثلاثي ينصبون أنفسهم أولياء ويقلّلون من شأن الآخر كما
يستعملون مفردات بذيئة أو مهينة مما يضعهم موضع التجديف. وهذا ما يقضي على طرحهم
فيفقد قيمته التي قد تكون صائبة وهامة.
علينا وبدون تحفظ أن نقتحم هذا الثلاثي بجرأة وحكمة لنكسب
أصدقاء لا لأن نبني أعداء.
س9): في روايتك (هنا ترقد الغاوية) التي هي من المدرسة
الواقعيّة الاجتماعيّة، لقد عالجت قضايا اجتماعية مهمة وشائعة. نرى صراعا واضحا
بين الأسلوبين، ما بين الوضوح والترميز المائل للغموض، مما يحول بين القارئ وبين
رسالة الكتابة، وهناك بعض السرديات ذات النفس الشعري. هل من مخرج توافُقيٍّ بين
هذه الرؤى والتوجهات. برأيك؟.
*ج- لا
أجد تناقضًا يضر بالرواية، ففيها الترميز والوضوح، فيها البلاغة والشاعريَّة رغم
أنها واقعيَّة مئة في المئة إذ أن أحداثها تحمل حقائق اجتماعيَّة وعلميَّة ونفسيَّة.
هذه "الخلطة" هي التي صنعت الراوية، وأدّت الرسالة
كما أعتقد. فكل هذه الضروب المتداخلة لم تتعارض قط في إيصال الرسالة، خاصّة وأن
كثير من النقّاد اعتبرها مميّزة كونها جمعت هذه الفنون بسلاسة العطاء. ربَّما،
وأعيدُ، ربَّما قليل من الكتّاب لهم القدرة على ذلك، وهذا ما يعطي كتاباتي نكهتها
الخاصَّة.
س10): الحديث عن الجوائز مفخرة لمن فاز بأيِّ منها؛ ففيها
كفايات الشُّهرة، والمكافأة الماديَّة. فهل تُحدِّثنا عن رُؤيتك لهذا الموضوع؟،
سيّما، وأنَّ مؤسَّسة الوطن العربيِّ في لندن، قرَّرت تكريس جائزة للرِّواية
العربية باِسْمكَ، ابتداء من العام 2021.
*ج- أشكرك
على هذا السؤال، بداية أشكر مؤسسة الوطن العربي برئيسها د. سعيد علاء الدين وأعضاء
مجلس الإدارة بتكريمي على هذا النحو وإنشاء جائزة أدبية باسمي لتكريم روّاد الرواية في العالم العربي. هذه الجائزة لا
تُعطى بسبب عمل أدبيٍّ واحد، بل بناء سيرة أدبيَّة مستمرة مما يعطيها مصداقيَّة
دائمة. ويسرُّني أن أُهنِّئكَ لفوزك بجائزة هذا العام التي تستحقُّها بجدارة.
فضاءات
المكان في رواية الملعون
المقدس
مقدمة:
للمكان
الروائيِّ أهميَّة مختلفة عند الكاتب الروائيِّ، ولا تتفجَّر الحوادث والمفاجآت
وعُقدة مشروعه الروائيِّ، إلَّا في مكان
فسيح يتَّسع لرُؤى الكاتب، ويحيط بخياله الجامح بنزوعه السَّرديِّ؛ لاستكمال
المشهديَّة حسب مساحات تفكيره، وأدائه بطريقة إدارة فكرته التي يُدنْدِنُ حولها.
فالمكان
هو الأرضيَّة الصالحة للبناء السَّرديِّ لأيِّ عمل قصصي قصير أو طويل (رواية). وهو
العنصر الذي لا غنى عنه أبدًا مهما علا أو دنا أيّ عمل، كلُّ ذلك تحت ملاءة
الزَّمن الروائيِّ. المكان سيرة شخصيَّة لاصقة لمن استوطنه، وأودع فيها ذكرياته.
وصف
الرواية:
بكلّ
وضوح تُعلِن الرواية عن هويَّتها الاجتماعيَّة؛ فالمجتمع صانع الحدث بكافَّة
تفاصيله، وهو حاضنة الحدث، وذاكرة مُتجدِّدة على ألسنة أفراده تُعيد وتزيد في
جُزئيات الحدث؛ ليصبح قصَّة أخرى مزيدة ومُنقَّحة، لكنَّها بالقطع غير النُّسخة
الأصليَّة البِكْر، ومع تقادم الزَّمان يتضخَّم الحدث، ويُعطى هالات أخرى منها
البطوليَّة والقُدرات العقليَّة الفائقة و هالات التَّقديس.
رواية
"الملعون المقدس" فسيفساء مجتمعات القاع المليء بالتناقضات بين
المحافظة والانحرافات، ولكلِّ المجتمعات ثوابتها من الأعراف والتقاليد المُتوارثة والأخلاق
والدِّين والإيمان، التي هي بمثابة قوانين تصون الجماعة، بينما إذا تعرَّضت
للاختراق من بعض الأفراد، يُنظر إليهم بأنَّهم فاسدون مُنحلّون، عندما تجرّؤوا على
خرق قوانين الأنا الأعلى (المجتمع)، المنظومة الاجتماعيَّة بأكملها تثور عليهم من
أجل الدِّفاع عن قِيَمهم، وحماية أنفسهم ممَّا سيُلحِق بهم من هؤلاء القلَّة
الخارجة عن طوْق الجماعة.
الروائي
"محمد إقبال حرب" تلمَّس بحسِّه، وصبره المُتأنِّي زوايا القاع
الاجتماعيّة المُظلمة، حاول سبر أغوارها بكلِّ اقتدار وَصْفيٍّ، بتصوير عدسة خبيرة
ببواطن الأمور، والذَّهاب بعيدًا لاستبطان دواخل وتهويمات نفوس أبطاله، ليدخل في
دائرة التَّحليل النفسيِّ للواقع ودوافعه.
وتأرجح
الحدث الروائي ما بين الحالة المثلى من السُّلوك الآدميِّ القويم، الذي يُشار إليه
فلسفيًّا بالفضيلة، ونقيضها الرَّذيلة المنحدرة سلوكيًّا وأخلاقيًّا. التناقضات
الاجتماعيَّة الصَّارخة قضيَّة قديمة مُتجدِّدة، ناقشها المفكِّرون والمصلحون، ونبَّهوا
للأخطار المتولِّدة عنها.
فضاءات
المكان الروائي:
تعدَّدت
الأمكنة التي طرقتها الرواية، كميدان مارس فيه الأبطال نشاطاتهم المختلفة، لتصبح
حدثًا روائيًّا يُعتدُّ به، مُتجانسًا في سيْر أحداثه المتوافقة المتناغمة، وكان
لوحدة الموضوع الدَّوْر الأكبر والأبرز في جعلها لوحة متكاملة، هنا لا بدَّ من
الإشارة إلى خبرة عريقة عند "محمد إقبال حرب"، مُستندة إلى مخزون
معرفيٍّ عميق، وقاموس غنيٍّ بالتعابير والمفردات.
من
المعلوم أنَّ لكلِّ مكان فضاء، ومساحات أتاحت تحرُّك البطل بفعل ما، لصنع وإنتاج
حدث معين، وهذا من ضروريَّات القصِّ والسَّرد الروائيِّ.
وبتتبُّع
ظاهرة تعدُّد الأمكنة في رواية "الملعون المقدس"، كان لزامًا
إبراز الموضوع كجانب مُهمٍّ، وإعادة تدوير وتجميع المتناثرات في صفحات الرِّواية؛
لتصبح مادَّة واحدة تحمل صفة موضوع متكامل:
1-المملكة
العربية السعودية: فضاء مكاني اشتمل على جزء من الحدث الروائي، والمملكة
جزء من فضاء جزيرة العرب، وهي جزء من فضاء الشرق الأوسط ومن قارة آسيا ومن العالم
أجمع.
*(الرياض):
فضاء العاصمة الإدارية تتوزع إلى فضاءات عديدة كالبيوت والفلل والعمارات والأبراج
والشوارع والحدائق والمستشفيات والسجون والكباري، غير ذلك.
*(المستشفى):
فضاء يفضي إلى فضاءات غرف الانتظار، والعيادات الخارجية، وغرف العمليات، وعنابر
المرضى الجماعية، والغرف الفردية، والأجنحة الخاصة، والحمامات والمطابخ، ومرائيب
السيارات.
2- لبنان (ضاحية برج حمود):
وفي
مثل هذا المقام لا بدَّ من الرُّجوع إلى التاريخ، لمعرفة ملابسات نشوء هذه الضاحية
في جنوب بيروت، وكيفيَّة تكوينها الديموغرافي: (تبدَّل ضمن إقطاعات "آل أبي
اللَّمع" حين قصدَها الموارنة منذ بداية القرن السابع عشر، وبنوا فيها كنيسة
على اسم القديس ضومط ما زالت قائمة حتى اليوم، وأُخضعت مرارًا للترميم وإعادة
البناء. يومها كانت الزِّراعة هي مصدر العيش الوحيد.
ثم
قدم أمير يُدعى "حمود أرسلان" وبنى فيها، قبل نحو مئتي سنة، منزلًا
مُرتفعًا، اعتُبر بُرجًا بالنِّسبة إلى المنازل التي حَوْله. ومنه أخذت المنطقة
اسمها (برج حمود). تغيَّر وجه المنطقة مع وصول أول اللَّاجئين الأرمن إليها هربًا
من المجازر التي تعرَّضوا لها على أيدي العثمانيِّين منذ 1915 وحتى العام 1922 .
جاء
هؤلاء يحملون مآسي تهجيرهم والفقر الذي خلفهم. نصبوا الخيم أوّلًا قبل أن يبدؤوا
ببناء منازلهم من الخشب والصَّفيح، وراحوا بعدها يُحوِّلونها تدريجيًّا إلى الحجر،
ونظَّموا أنفسهم وتساعدوا. بنوا المدارس والكنائس، وبدأت هذه المنطقة تجتذب لُبنانيِّين
من الأطراف البعيدة، لاسيَّما من العائلات
الشّيعيَّة الجنوبيَّة والبقاعيَّة بحثًا عن حِرَفٍ جديدة تُكتسَب، وفُرَص عمل
تمنُّوها أفضل.
بدأت
العائلات الوافدة تتملك في" برج حمود" و"النبعة"، وهي حي من أحيائها،
لاسيَّما بين العامين 1946 - 1948 حين لبَّى عدد من الأرمن الدَّعوة بالعودة إلى
وطنهم الأمّ. باعوا بعض ما اشتروه إلى أبناء الأطراف من الشِّيعة، الذين راحت
أعدادهم تتزايد طلبًا للعلم والعمل المفقود في قُراهم. بدورهم بنُوا مدارسهم
والجامع والحُسينيَّة.
ولم
يأت العام 1975 إلَّا وكانت النبعة وبرج حمود ،كما الكرنتينا وتل الزعتر وبعض أطراف
"الدِّكْوانة" ضاحية بكلِّ تفاصيل ضواحي المدن في العالم الثالث)*[6]
ممَّا
تقدَّم من هذه النَّبذة التاريخيَّة عن فضاء منطقة برج حمُّود، يبدو أنَّها كانت
من فضاء العشوائيَّات على أطراف فضاءات مدينة بيروت.
ومُخرَجات
مثل هذه الفضاءات، لا شكَّ أنَّها نتاجات للفقر والعَوَز والجهل، المُفضِيَة
جميعها إلى عوالم الجريمة والانحراف والمخدِّرات، كما حدث لـــ"عرقول"
بطل رواية "الملعون المُقدَّس" من جريمة تحرُّش واغتصاب من صاحب
الدُكَّان المُنحرف، وهكذا انتقل إلى فظاعات منحرفة، مثل زنا المحارم، اعتبارًا من
الأخت والبنت، وممَّا تتقزَّز منه الفطرة السَّليمة. كلُّ ذلك جرى في فضاءات من
العتمة الرَّاسبة في قاع القاع غير المرئي للعلن، بل كان مُستترًا خاصًّا بممارسيه
وضحاياهم، ولم تكن حالة عامة ترتقي بتصنيفها كظاهرة.
3-شارع
الحمراء وسط بيروت:
وهو
فضاء ورد في الرواية كجزء من فضاء وسط بيروت التجاريِّ، المشتمل على العديد من
فضاءات المحلَّات التجاريَّة، والمقاهي، والمكاتب، وعيادات الأطبَّاء، والعمارات
الشَّاهقة، والعديد من الفضاءات الثقافيَّة كمسرح (البيكاديللي) الشَّهير، والعديد
من دور السِّينما، كما لا ننسى فضاءات النَّوادي الليليَّة (نايت كلوب). وغير ذلك.
4-السجن:
فضاء
مكاني احتُجِز فيه البطل "عرقول"، فهو شبيه السِّجن. لأنَّ عرقول تعرَّض
لخديعة استدرج من خلالها للمجيء، وهي محاولة اختطاف وتغييب واحتجاز للحرية. هذا
الفضاء كونه شخصيّ، للانتقام من عرقول، جرى كلُّ ذلك بعيدًا عن أعيُن القانون
ورجال الأمن.
-فضاء
الحمام في السجن:
والحمام
هو جزء صغير أيضا من فضاء مكان الاحتجاز أو الاختطاف.
الأماكن
الخفيَّة في الرِّواية:
الكاتب
افترض أنَّ هناك بديهيَّات معلومة وماثلة في ذهن القارئ، كالمشاهد الخفيَّة
المكمِّلة للحدث، وهو نوع من الاستغناء لتجنُّب ملل الإطالة، وكذلك لإشراك القارئ
وتوريطه في مُتابعة قراءته بتشويق، ولربطه مباشرة مع النصِّ ليكون شريكًا فيه،
وبالتَّالي يستطيع أن يتحدَّث عنه، وربَّما يعتنق ما ذهب إليه من آراء، وبالتَّالي
سيدافع كالكاتب عن النصِّ وفكرته. الأمر الذي يحسب لأيِّ نص كرصيد ثمين.
وهناك
أيضًا من الأماكن الخفيَّة التي لم يرد ذكرها في الرواية صراحة وعلنًا، بينما جاءت مُضمرة بدلالة الحدث أو
كلمات:
-
البيت في لبنان والسعودية.
-
أماكن الترفيه واللقاءات.
-أماكن
مارس فيه انحرافاته، كالشُّقَق المُخصَّصة لذلك، أو زوايا الشَّوارع والحدائق
المظلمة، وأماكن التسوُّق وشاطئ البحر والبارات.
-
السيَّارة: وهي فضاء مكانيّ لا غنى عنه لاستكمال الحدث.
-
مكاتب السجَّان: المكان الذي كان يدير سجنه من خلال تقنيَّات صوتيَّة ومرئيَّة من
فضاء آخر غير فضاء غرفة السّجن.
-
كلمة القاضي تستدعي فضاء قاعة المحكمة.
-
كلمة الفراشة تستدعي الحقول والورود النَّسيم، والطَّبيعة من الحبل والشَّمس وزُرقة
السَّماء.
-
كلمة السَّماء تستدعي فضاء واسعًا من القمر والشَّمس والنجوم والمطر والثلج.
-
كلمة الكُوخ: تستدعي العشوائيَّات والفقر والاكتظاظ السُّكانيّ.
-
كلمة المغارة فضاء مفتوح على عوالم مجهولة مُثيرة للخوف والرُّعب، فضاء العتمة
والظلام والأشباح.
-
البئر كلمة تفتح فضاءات رؤى للماء والعطش.
هذه
الطَّائفة من فضاءات الأماكن الخفيَّة، فتحت الرُّؤى لتحفيز الذِّهن للتفاعل سلبًا
أو إيجابًا. جاءت هذه الأمثلة على سبيل الاستعراض وليس الحصر؛ فالرواية مليئة
بفضاءات مكانيَّة، وكذلك مشاهد خفيَّة. وهي نقطة تُحتَسَب لقدرة الروائيِّ "محمد
إقبال حرب" إيصال رسالته الفكريَّة للمتلقي.
الخاتمة:
وللتأكيد
على الموضوع من بدايته، فإنًّ رواية "الملعون المقدس": هي كتاب
عبارة عن فضاء قِرائي ذي مضمون فكريٍّ، احتوى بين دفتيه على فضاءات زمانيَّة
ومكانيَّة، مارس فيها الأبطال حكاويهم بحُريَّة وطلاقة، جميعها لا تخرج عن رأي
الكاتب، وضمن ترتيباته، والتي من خلالها سطَّر ملحمةً اجتماعيَّة بأعتى قساوتها
على النَّفس السويَّة، الحدث السرديِّ كأنَّه مُستنقع قذر خرجت منه كلَّ قذارات
البشريَّة المُقرفة والمقزِّزة، أصابني الغثيان أثناء القراءة.
معاناتي
النفسيَّة كانت كبيرة، فلم تحتمل نفسي ولا عقلي، تعبت أعصابي، كقارئ تأثَّرت
بالوصف، فما هي الكاتب "محمد إقبال حرب" كانت أثناء الكتابة؟. لا شكَّ
أنَّه عانى مخاضًا صعبًا.
محدودية
أبطال الرواية (عرقول - دورين –
السجَّان) بأدوارهم الرئيسة، ومن خلالهم جرت تفرعات الحدث السرديِّ بشخوصه الثَّانويين،
وبأحلامهم وآمالهم، وإحباطاتهم، والصَّدمة النفسيَّة بالانحرافات الأخلاقيَّة والسُّلوكية،
والقتل والإجرام، كلها مُخرجات تربويَّة فاسدة للحرب اللُّبنانيَّة على مدار سبعة
عشر عامًا، وكذلك الفقر والأوضاع الاقتصاديَّة السيِّئة ساهمت إلى حدٍّ كبير بالدَّفع
الحثيث إلى الهاوية والدَّمار.
البُعد الاجتماعيّ في رواية (هنا ترقد الغاوية)
للروائي محمد إقبال حرب
مدخل:
الصّراع سِمةُ الوجود الإنسانيّ في هذا الكون
منذ بدء الخليقة، وتتشابه حالاته في كثير من مُعطياته بفارق الزّمان والمكان. دوافع حركة الحياة
ولّدت الرّغبات.. الأحاسيس.. الآمال.. الأحلام.. الدموع.. الأحزان، ولم تزل راسخة
ساكنة في واقع المُجتمعات البشريّة؛ منذ جيلها الأوّل بين هابيل وقابيل أبناء
سيدنا آدم عليه السّلام.
رواية (هنا ترقد الغاوية) تُعتبر
ببنيتها السّرديّة قد أخذت المسار الاجتماعيّ المُوشّى ببعض التلميحات السياسيّة،
وهذا لا بدّ منه لتكامليّة أيّ عمل روائيّ مهما كان، أثناء مُتابعتي لأحداثها قراءة؛
ظننتُ نفسي أمام (نجيب محفوظ) و(عبد السلام العجيلي) ، وهما
من سادة المدرسة الواقعيّة الاجتماعيّة.
العنوان:
جاء العنوان بكلماته الثلاث بأبعادها
الدلاليّة؛ لتأكيد القضايا التي عالجتها رواية (هنا ترقد الغاوية).
-(هنا)
وهي اسم إشارة دالّة على المكان القريب المُشاهد؛ المُؤكّد بواقع تلتمسه الأحاسيس،
وهو لخطاب آخر يُعاين ببصره، ويستمع بأذنيْه لصوت القائل، مع اشتغال الأحاسيس التي
لا تظهر تفاعلاتها إلّا بمتابعة الحديث.
-(ترقد)
كلمة بصيغة فعلية تفيد الحاضر والاستمرار أي الفعل المُضارع. والفعل لا بُدّ له من
فاعل ضمن حدث، يُنتجُ مفعولًا به أو فيه.
ومن
نام رقد في فراشه، ومن استلقى تحت شجرة أو غرفة أو الى حافّة الرّصيف، أو في أيّ
مكان لأخذ قسط من الرّاحة، لن يكتمل المعنى المُراد من كلمة (ترقد) في
العنوان إلّا بانضمام الكلمة الثالثة لها، لتشكيل مفهوم يتكامل معناه في ذهن
المُتلقّي سلبًا وإيجابًا.
-(الغاوية) بالرجوع إلى ثُلاثيّها (غوى) وغاوي؛ فمن أغواه
الشيطان فقد أضلّه، وربّما يُمعن في متاهات الضلال. وبالتحرّي المُعجميّ لاستجلاء
دقّة المعنى المُراد من توظيف هذه الكلمة في عنوان الرواية: (غوَى يَغوِي،
اغْوِ، غَيًّا وغَوَايةً وغِوايةً؛ فهو غاوٍ، وغَوِيّ، وغَيّانُ والجمع: غُوَاةٌ،
وغاوُون، وهي غاويةٌ والجمع : غاوياتٌ والمفعول مَغْوِيّ –
للمُتَعدِّي).
بالغوص
في دروب استطرادات المعاني المُتولّدة تتضّح الصورة ببهاء، كما اشتهى وأراد
الروائيّ (محمد إقبال حرب) بإيراد بعض الأمثلة: [الشَّابُّ: أَمْعَنَ
فِي الضَّلاَل (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)، غَوَاهُ الشَّيْطَانُ:
أَضَلَّهُ، أَغْرَاهُ، غَوَى: حاد عن الحَقّ ومال إلى هواه، غَوَى الرضيعُ:
أَكثَرَ من الرَّضاع حتى اتَّخَم وفَسَدَ جوفُه[..
وبالتوفيق
بين الكلمات الثلاث؛ بإعادة التركيب بعد التفكيك اللغويّ الدلاليّ، يبدو العنوان (هنا
ترقد الغاوية) يفتح فضاء العتبة الروائيّة، لتتسّع رؤية القارئ بإثارة
التساؤلات، في محاولة مبدئيّة لتفسير أبعاد العنوان، من خلال التأويل برسم صورة
مُتخيلةّ لما وراءه.
أمّا
وقد أخذ العنوان الرّئيس للرواية، أحد العناوين الداخلية في الرواية. لتأتي
الإجابة الشافية الكافية على لسان (صابرين) بطلة الرواية الني دارت عليها
محاور الحدث السرديّ حتّى نهاية الرواية، ومن أولى صفحاتها. وبعدما قالت بفصيح
العبارة لم تترك لنا مجالًا للتخمين والتأويل: (أخاف أن أموتَ؛ فيُكتب الناس
على ضريحي هنا ترقدُ الغاوية، غاويةٌ تُحيكُ غِيّها كالأرملة السّوداء. لا بل
سيكتبون "هنا ترقد الزّانية" نعم.. لن يكتبها شخص واحد.. بل كلهم
سيكتبون معه بإفكهم: هنا ترقد الزانية) ص١٢٥. و(زانية شريفة يا لحكمة
الأقدار..!! شريفةٌ توصِمُ وجودها بعارٍ لم ترتكبه، تبًّا لعهدٍ أصبحت فيه الشريفة
ركن مهانة..!) ص١٢٦.
المنظومة
الاجتماعيّة ذات المفاهيم الرّاسخة بسيطرتها لا تتزحزح قيد أنملة في أذهان
الأفراد، وتُشكلّ بأناها الأعلى تابُوهًا مُقدّسًا ممنوع الاقتراب منه أبدًا.
ويُنافس القِيَم الدينية الحقيقية، ويطمس كثيرًا منها. وصيرورة العُرف الاجتماعيّ
بديلًا للهَدْي السماويّ.
الشَّخصيَّات
الرَوائيَّة:
الحدث الروائيّ امتدّت مساحته ما بين مصر في
الشرق الأوسط، والولايات المتّحدة الأمريكيّة، لكن مرتكز الأمر قام على عدد محدود
من الشخصيّات التي اِنْبَنى عليها العمل بأكمله.
وفي
كلّ عمل هناك الشخصيّات الرّئيسة والثانويّة، وكثير من الأعمال الروائيّة قامت تراتبيّاتها
على البطل الأوحد. بينما في رواية (هنا ترقد الغاوية) قامت على تقاسم
تشاركيٍّ للبطولة.
عائلة (تامر) وأخته (صابرين)،
وفيما بعد جاء دور ابنته (هنادي). وجاء دور (آدم –
غسان) و(حوده) رغم أنّه شرارة انطلاق قصّة المأساة عندما اغتصب
صابرين في مصر فقد كان دوره مغمورًا، وكأنهّ مُكمل للحدث. هؤلاء بدأ بهم الحدث في
مصر، وانتقلوا لظروفهم إلى أمريكا، ليمتدّ إكمال حيثيّاته هناك.
(د.
جون) الطبيب النفسي المعالج لصابرين، وتابعها حتى مرحلة شفائها، و(د. منصور)
دورهما ثانويّ للضرورة القصصيّة. حيث أن د. منصور جاء في الأخير؛ لإضفاء صيغة رؤية
ابتكرها د. جون.
سردية
الرواية:
منذ أيام (رفاعة
الطهطاوي) في منتصف القرن الثامن عشر، عندما ظهر كتابه (المرشد الأمين في
تربية البنات والبنين)، ومازال موضوع تحرير المرأة يأخذ أبعادًا مختلفة.
الرواية رصدت جزءًا من تعالقات الحياة الاجتماعيّة في الشّرق المُحافظ، وتشابكات
طبيعة العلاقات القائمة في مجتمعات شرقيّة تتشابه في الكثير منها، وتختلف أيضًا في
الكثير الآخر.
العادات
والتقاليد راسخة في يوميات النّاس؛ فأصبحت قانونًا مُقدّسًا، لا يمكن اختراقه
بالخروج عليه، لأنّ المنظومة مُتَّفقة على ذلك، مُتكافلة مُتضامنة في الاِسْتخذاء
خُضوعًا للأقوى. من هنا تظهر أن قوّة الأقوياء من ضعف الضعفاء. والأقوياء يفرضون
شروطهم بالقوّة والإكراه.
وقضايا
الشَّرف تُعتبر قمّة التعاطي مع أيّ أمر باِختراقها على أنه جريمة لا تُغتَفَر.
فالنساء حرم مُقدّس كالعبادة، والعِرْض رديف
الأرض في المفهوم العامّ تُراق من أجله الدّماء أنهارًا إذا ما انتُهِك. وجرائم
الاغتصاب من هذا الصنف من الجرائم، ففي الأعراف العشائرية: تُقتل المجني عليها،
ويُمجّد الجاني بما اقترفت يداه.
مع
أن الشّريعة تُجرّم الفاعل والمفعول به كلٌّ حسب العقوبة المنصوص عليها. كما أن
القوانين القائمة على قاعدة الأحوال الشخصيّة والمدنيّة؛ تُجرّم القائم بالفعل في
حالات الاغتصاب القسريِّ في حال الادّعاء من المجني عليه.
كيفيَّة
سرد الرواية:
جاءت
على محمل الذكريات الموجعة في بلاد الاغتراب، بعد مغادرة الوطن، للدِّراسة ولتحسين
الظروف المعاشيّة، كَوْن الشرق يودّ لو كان باستطاعته الارتحال إلى الغرب؛ فقد
ورد: (اختلط الواقع بالخيال، الذكرى بالصورة، والصورة بالدموع) ص١٨. و(ارتطم
الطفل في داخله بمدار الذكرى مُترنّحًا، وسقط) ص١٩.
منذ
البداية أفصحت محامل الرواية عن نفسها، حيث أنّ مساحات الذكريات للحدث في حيّز
زمكانيٍّ مُحدَّد، تفتح آفاقًا واسعة متأنيّة بوعي لتقييم الأمر، وتقليبه على ضوء
التفكير الهادئ والسَّليم.
قضايا
الفقر نتيجة الفساد، والدكتاتوريّات العسكرية عندما أحالت الحياة جحيمًا. تتعالى
تواثُبًا أشواق الهجرة الدَّائمة من الأوطان العاجزة عن تقديم الرّفاه لأبنائها
الذين لا يفتؤون يتطلَّعون ساعين بكلِّ ما أوتوا من قُوَّة وجهد للهجرة، للعمل في
جَلْيَ الصُّحون في المطاعم الأجنبيّة. والبطل غسّان، وفيما بعد هجرته لأمريكا
تسمّى بآدم: (تأرجّح بين مِنَصّة الماضي والحاضر، حاول الوقوف ثانية؛ ليؤدّي
دورًا جديدًا. دونما يأس أو شكوى مُكابدًا الفشل، حتّى نجح في مسعاه، ووقف بشموخ)
ص٢٠، و(سعى لمزيد من النَّجاح في مُهمَّة صعبة، أقصى آمالها الوصول) ص٢٠.
- فعلا أقصى الأمنيات الوصول إلى حافة حياة كريمة، تليق بالإنسان
هناك في بلاد الاغتراب. وآدم ذلك الشَّاعر اللُّبنانيُّ كان يعيش في الخليج. كتب
أشعاره في محبوبته، وبقيت طيّ دفاتره وأوراقه، بعد هجرته عاد إلى ذكريات تُداعب
قلبه وفكره، ولم يكن يخطر بباله أن يلتقي بمحبوبته ثانية. هناك افترقوا.. وكان
اللّقاء هنا مع صابرين، صاحبة الأشعار التي كُتِبَت من أجلها، جاء اللَّقاء في
رَمَق حياته الأخير، بعد ذهاب الشَّباب ولذّته.
-حدسُ
الأنثى غالبًا لا يخيب؛ فقد تردَّد تهديد (حودة) بالعودة لاغتصابها من
جديد، وقتلها، رغم تباعد الزَّمان والمكان بينهما. صابرين أصيبت بحالة عصبيّة من
الضغط النفسيّ من التَّخييلات، والعذاب النفسيّ مما تعرضّت له من اغتصاب، نظرة
المجتمع القاتلة لها، وتأنيب الضمير، وما بين صوت العقل.. ونظرة أخيها تامر
في الانتقام لتبييض شرف العائلة، ومحو العار، أصيبت بحالة هوس اكتئابيٍّ أدَّت بها
إلى مزيد من الهلوسات والفزع. واختلال نظامها الحياتيِّ، إلى أن نُقِلَت إلى
مَصحَّة نفسيّة بعد حادث أليم قضى على أخيها تامر.
-وما
منعه من قتلها، والانتقام لشرفه المزعوم منها: هو رغبته بالحصول على الجنسيّة
الأمريكيّة.
-موضوع
الرواية الأساسيِّ والأبرز، قضيّة جرائم الشَّرف في الشرق عُمومًا. البنت صابرين
تعرّضت لحادث اغتصاب في بيت عمّها؛ أثناء إقامتها معهم لظروف الدِّراسة في
المدينة، عندما قدِمت من القرية.
-الرواية سلَّطت الضوء على موضوع اجتماعيِّ مُهِمٍّ جدًا، دور
رعاية الأيتام، ممن فَقدوا آباءهم وأمهاتهم، وأبناء السّفاح، ومجهولي النّسب، وأسس
التربية، والانحراف إلى الإجرام، وربط ذلك مع الفقر. ومثال ذلك الصبيّ (حودة)،
الذي جلبه عمُّ صابرين من دار الرعاية وتبنَّاه، بقصد أن يُربِّيه، ويعمل معه في
مهنته.
-تفاعلات
الحدث جرت في مصر، والظروف عُمومًا هناك لا تسمح بالحديث والنقاش، والإصغاء لصوت
العقل؛ فكان ذلك على أرض أمريكيّة في مدنها وقُراها ومنتجعاتها ومقاهيها.
-هنادي
ابنة تامر أخ صابرين، جاء حلّ عقدة الرواية، وتفسير الحدث على يديْها. موت أبيها
ساهم في حلحلة المشكلة القائمة، وكانت هي مفتاح مساعدة عمَّتها صابرين. لقاؤها
بآدم كان سببًا في لقاء بعيد المنال لآدم مع حبيبته التي ما برحت خياله، وكان لقاء
السّحاب.
-لقاء الأحبّة.. موت (حودة) بعد محاولته القذرة ثانية
باغتصاب صابرين، ودخول العجوز آدم المفاجئ؛ فأنقذ الجميع؛ ليورق الحبُّ من جديد في
قلوبهم، والدَّهشة الصَّادمة لهنادي، ولقاء د. جون. ود. منصور، وزيارتهما المشتركة
إلى صابرين للاطمئنان عليها. كانت آخر فصول رواية (هنا ترقد الغاوية).
وأهمية الرِّواية كونها لم تستطرد خُروجًا عن فكرة الانتقام للشَّرف، وقضايا قتل
تبييضًا للعرض (جرائم الشرف). وقًوَّة قانون العُرف العشائريِّ.
-(أخيرًا
ركعت هنادي على قدميْها، ونظرت إليه قائلة: "يُمكنكَ تقبيل العروس الآن.. لم
يرها غسان (آدم) رغم أنّ خلاياهُ أدركت سرّ كلماتها. تهادى رأسه ثقيلًا في حضن
قصائد صابرين المُتدلّية من شعرها الكستنائيّ، فيما أناملها البيضاء تُغلق جفنيْه،
بينما يركبُ قطار الموت).ص٢١٨.
نهاية
تراجيديَّة: عاش طيلة حياته على أمل لقاء جديد مع صابرين، لم يحصل إلّا في الرّمق
مع خروج آخر أنفاسه، بنظرات تَسْتَملي صورتها الأخيرة.
الخاتمة:
لا
شكّ للمُتابع للأعمال الأدبيّة الروائيّة؛ فقد رصدت مزيجًا لجوانب الحياة
السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. ونحن بخصوص رصد البُعد الاجتماعيِّ لرواية (هنا
ترقد الغاوية)، وإذا ما أدرجناها في القائمة الطويلة للأعمال الروائيّة
العربيّة المشهورة وخلافها، بإمكاننا الإشارة بيقين تامٍّ إلى مصطلح الأدب
الاجتماعيِّ، الذي رصد بمرآته الكاشفة للمَخفيِّ والمسكوت عنه، تحت دواعي العيب
والفضيحة وكلام النَّاس، والتقط القارئ رسالة هذه الرواية بيسر وسهولة، ووضوح
الرُّؤية لدى الروائي (محمد إقبال حرب) في التفريق ما بين العادات
والتقاليد والأعراف الشعبيّة، وما بين أحكام الدِّين الحنيف، وأظهر بمهارة واقتدار
الخلط النَّاجم عند كثير من الكُتّاب والمفكرين بين الشعبيِّ وقوانينه، وبين
الإلهيِّ المُتباعد بكافّة قِيَمه الثَّابتة عن الشعبيّ، الذي يميل في كثير من
جوانبه إلى الغوغائية والانتقائيّة.
التعدد
الدَّلالي في كتاب "برقعد"
للروائي.
محمد إقبال حرب"
مع كلّ عنوان مُنجَزٍ؛
تتجدَّد اِحْتفاليَّة الثَّقافة والمعرفة، بما يُضيفه للمكتبة العربيَّة، ويُعدُّ
مَنجَمًا زاخرًا بأشكالٍ معرفيَّةٍ عديدةِ، منها العلميَّة والأدبيَّة
والسياسيّة.. إلخ. وهو ما لامَسَتُ بعضًا من جوانبه عند الأديب "محمد
إقبال حرب". عرفته بكتاباته الأدبيَّة مُتنقِّلًا ما بين الشِّعر والرِّواية
والقصَّة القصيرة والقصيرة جدًا، ومُؤخًّرًا خرج علينا بكتاب "برقعد"
كلمة عربيَّة غريبة، ويبدو أنَّه نَحَتَها، وكيَّفها؛ لتُصبح عنوانًا لافتًا، مُحيِّرًا
لمن أراد تفسيره.
ولا يتأتّى للقارئ اِسْتكناه
المصطلَح مهما تعدَّدت معارفه إلَّا بتفسير الكاتب؛ ففيها ما يفتح الباب أمام
القارئ على مِصراعيْه؛ لرؤية بعيدة المنظور في سَبْر أعماق اللَّغة العربيَّة،
واِسْتكشاف أغوارها الغائصة في دلالات من الصَّعب الإحاطة بها جميعًا؛ وبتتبُّع
موادِّ الكتاب "برقعد"، والوقوف على ناصية الخاطرة ذات الرَّقم
مئة وثلاث وستِّين من الكتاب: ("كُن برقعد" أي بَرْقًا ورعدًا! فمن
سمات البرق أن يملأ الفضاء نورًا ويكشح الظلام، ومن سمات الرعد، الزمجرة، هنا
الزمجرة بصوت الحرية والكرامة الإنسانية، ورفع الصوت المدوّي التماسا للتحرر من
مختلف أنواع العبوديات، وما أكثرها في أيامنا هذه، حيث يُنكّل باللبنانيين
ويُسامون جميع أنواع القهر والعذاب ولأهمية هذه الدعوة "كُن برقعد").
ليس ببعيد على الكاتب
المُثقَّف، بتساؤل بسيط، كيف يُصبح الإنسان كاتبًا، إذا لم يكُن مُثقَّفًا عارفًا
بما سيكتبه..!!. والكتاب الذي بين أيدينا يُصنَّف في أدب الخواطر القديم
المًتجدَّد، وبتدقيق بسيط في العبارات المُحكمة الواردة، لهي خير دليل على ثقافة الكاتب
الوازنة بأحمالها المعرفيَّة، المُستخلَصة من دروس الحياة وخبراته، فهي واعية
بتأشيرها الدَّقيق على نقطة أو أكثر، ونتيجة منطقيَّة بعد مرحلة حياتيَّة حافلة،
كوَّنت رؤى "محمد إقبال حرب" الخاصَّة بتشكيل نمطه التفكيريِّ
بأبعاده العقلانيَّة والفلسفيَّة.
وبمقاربة فكرة الخاطرة
بأبعادها الفكريَّة والأدبيَّة المبنيَّة على مُقاربات ربَّما تتقارب أو تتباعد مع
تعريفات مماثلة تختلف بآراء من عرَّفوها بكثير أو بقليل؛ فقد عرَّفتها موسوعة
الويكيبيديا(الخاطرة من الأنواع النثرية الحديثة التي نشأت في حجر الصحافة
ولكنها تختلف عن عدة وجوده: فالخاطرة ليست فكرة ناضجة وليدة زمن بعيد ولكنها فكرة
طارئة. وليست فكرة تعرض من كل الوجوه بل هي مجرد لمحة. هي مقال قصير يخلو من كثرة التفصيلات يعرض فيها الكاتب فكرة حول
موضوع ما، ذاتياً أو موضوعياً).
فما يخطر على في بال
الكاتب هو خاطر مُنتَج عاطفته، إذا اِهْتاجت أحساسيه، واِلْتهبت خيالاته بجُموحٍ
مُثيرٍ؛ تجعل خفقان القلب المَشُوق حُرقة لموقف ما، أو على ذاك الموقف المُشابه لحالته تلك.
في العصر العبّاسيِّ
تتضح معالم أدب الخواطر في كتاب "رسائل" عبد الحميد الكاتب مؤسس هذا
الفنّ الأدبيّ المُرتكِز على مراسلاته للكُتَّاب، ورسائله بوصف الصَّيد وغيرها من
المواضيع، ويُعتبَر كتاب "صيد الخاطر. للإمام ابن الحوزي" هو من
أجود وأنفع مؤلفات كتب القرن السادس الهجريِّ، في جميع الآداب الاجتماعية
والدينيَّة السُّلوكيَّة والتربويَّة.
كما أنَّ العالم "ابن
جنيِّ" اللَّقب الذي اشتُهر به "أبو الفتح عثمان"
اتَّخذ تسمية "الخاطريات" لأحد كتبه الذي يعتني بالمسائل
اللَّغويَّة واللِّسانيَّة.
وعلى سبيل المثل فقد
اطَّلعتُ على بعض من كتب الخواطر، وأشهرها
على الإطلاق كتاب "من وحي القلم. مصطفى صادق الرّافعي"، وكتاب
"هكذا علَّمتني الحياة. للدكتور مصطفى السِّباعي"، وكتاب "كتاب
"خواطر. الدكتور طه حسين". وغيرها الكثير من المؤلَّفات في هذا
المضمار الأدبيِّ. وقد كان لكتاب "أقوال غير مأثورة. محمد فتحي المقداد"
نصيب المُشاركة في هذا المضمار الأدبيِّ الجليل الواسع باتِّجاهاته وتوجُّهاته.
ومن دلالة الخاطرة
السَّابقة فيما يخصُّ تفسير الكاتب لفكرة العنوان: "من سمات البرق أن يملأ
الفضاء نورًا ويكشح الظلام، ومن سمات الرعد، الزمجرة، هنا الزمجرة بصوت الحرية
والكرامة الإنسانية، ورفع الصوت المدوّي التماسا للتحرر من مختلف أنواع العبوديات".
وبالاستناد لهذا يمكن استخلاص بعضًا من محاور الدلالات.
وبداية نتوقَّف عند
قضيَّة الظلم والاستبداد السياسيِّ والدكتاتوريَّات، التي عانت منها البشريَّة عبر
تاريخها الطَّويل، ونضالها التحرُّري المُقاوم في سيبل الخلاص والنُّزوع إلى
الحريَّة. ونتلمَّس مجموعة من الخواطر الواردة في كتاب "برقعد":
-"أعمارنا
قصيرة والحاكم ينهش أطرافها".
-" في معبد
الحاكم شموع من بشر، عمدانها أجساد وفتائلها رقاب!"
-"أيها الحاكم
ستستمر الحياة من دونك عندما ترحل، فكن مطمئنا".
-"أفيقوا،
رحمكم الله.. قد أشرقت شمس الحرية. هذه الدعوة إلى استفاقة النيام من سباتهم
العميق، بل من قبيل تحريضهم على استعادة حريتهم المهدورة. ولا بد لهؤلاء النيام
المستعبدين أن يُحطّموا أغلالهم، في رحاب الحرية، التي أشرقت شمسها، وذلك بعد طول
أسر!".
-"يمرح الذئب
المفترس، عندما تُصفّقُ له الكلاب الضالة، كحال زعماء أمتنا".
أما الدلالة الأعظم هي
المحراب الإنسانيُّ عمومًا، الشَّامل لجميع دروب التواصل والتراحم والعطاء على
محمل من الوئام والسَّلام، والتواصل البنّاء الذي يخدم المصلحة العامَّة، ونبذ
الأنانيَّة الشخصيَّة والمصالح والمنافع الضيِّقة: ومما ورد في هذا الخصوص كشفًا
للحقائق المخفيَّة خلف ظواهر الطِّباع البشريَّة:
-"أيها الإنسان
من أجل قلبك الأبيض عشقتُ ألوانكَ الأخرى".
-"أنادم الليل،
وأتحاشى البشر. موسومٌ برذيلة عشق القمر".
-"ضعيف
الحُجَّة سلاحه الغدر".
-"دروب الدهشة
تصفع الوجدان بصوت الحقيقة".
-"قداسة دموعك
قدر جراحاتك".
-"رغيف الشوق
ينضج في مخبَر الغربة".
-"لم يحزن
عليها يوم رحلت، فقد بكاها كثيرًا يوم دفنها في قلبه".
-"ضمور الشوق
أمات رجع الصّدى".
-"نواميس الشرّ
تبثّ السمَّ الزّعاف مُعطّرًا بذكر الله".
وفي رحاب طائفة أخرى من
خواطر الكتاب؛ نلحظُ فيها التساؤلات الباطنيَّة عن القلق الوجوديِّ عُمومًا، هذا
الأمر الذي يُساور ويستوطن دواخل جميع البشر بلا تحديد:
-"كلّما سكنتُ
إلى نفسي تساءلتُ إن كان لوجودي مكان أو
لمكاني وجود".
-"ما زلتُ
أتساءل عن مفارقة أرقى المخلوقات، يدّعي السّلام، ويقتات على بني جنسه".
-"بين البداية
والنهاية أسكُنُ جسدًا لا يُشاركني فيه سواكِ".
-"ويلٌ لأمّة
تتوضّأ بدماء أبنائها؛ لتُصلّي صلاة الشّكر".
-"أعيشُ في ظلّ
طغيان، أتنفّسُ عفانة زريبته رُغمًا عن شمس الحرية".
-"لا أتغيَّر
مع المكان، لكنّ المكان يتغيّر لأجلي، ذلك هو الفارق".
هذه الاقتباسات من كتاب
"برقعد" كانت على سبيل المثال لا الحصر، ليست بحاجة لتفسير
وشروحات لكيلا ينخدش بهاؤها، وتبقى زاهية مفتوحة على عوالم من تأويلات كلِّ قارئ
على حِدَة؛ أوردتُها لتدعيم فكرة عنوان المقال، وللإشارة للعديد من مسارب ومداخل
الكتاب، وللتدليل على عمق ثقافة ورؤى "محمد إقبال حرب"، جميعها
جاءت نتيجة طبيعيَّة لخبرته وتجاربه الحياتيَّة. وفي كتابه هناك الدلالات الروحيَّة وعلاقة الإنسان
بالخالق، والدلالات الاجتماعيَّة.
أدب الخواطر انتقالات
سريعة بين فكرة وأخرى، وبسرعة الومض بين مكان وآخر، وزمن زمن حاضر أو ماضٍ أو
مستقبل. والكتاب علامة فارقة بأسلوبه ولغته، أوصي بالعناية به من خلال جلسات
الحوار والنِّقاش لتجلية الأفكار، وتتبُّع أبعادها الإصلاحيَّة على كافَّة
المُستويات الحياتيَّة.
سردية برق ورعد في كتاب (برقعد)
(الكتاب
كاملًا. بقلم. محمد إقبال حرب)
o
ملاحظة:
(الكلام عن الكتاب بما تقدَّم لا يفي بالغرض، فكان لا بدَّ من إيراد مادَّته كاملة
هنا لتعميم الفائدة)
§ أَيُّهَا الإِنْسَانُ! منْ
أَجْلِ قَلْبِكَ الأَبْيَض عَشِقْتُ أَلْوَانَكَ الأُخْرَى.
§ أُنَادِمُ اللَّيْلَ وأتَحَاشَى البَشَر!
§ مَوسومٌ بِرذيلَةِ عِشْقِ القَمَرِ.
§ ضَعِيِفُ الحُجَّةِ سِلَاحُهُ الغَدْرُ.
§ تَقْدِيسُ الأَمْواتِ لَنْ يَبْعَثَ
فِينَا الحَيَاةَ.
§ دُرُوبُ الدَّهْشَةِ تَصْفَعُ الوِجْدَانَ
بِصَوْتِ الحَقِيقَةِ.
§ قَدَاسَةُ
دُمُوعِكَ قَدْرُ جِراحَاتِكَ.
§ رَغِيفُ الشَّوْقِ يَنْضِجُ فِي مَخْبَزِ
الغُرْبَةِ.
§ لَم يَحزَنْ عَلَيْها يَوْمَ رَحَلَت،
فَقَد بَكَاها كَثِيرًا يَومَ دَفَنَها في قَلْبِهِ
§ بَيْنَ الأَنَا
والأَنَا... عَشِقْتَ أَنْتَ فيه أَنَا.
§ ضُمُورُ الشَّوْقِ أمَاَتَ رَجْعَ
الصَدَى.
§ ارتَدَيتُ ثَوبًا من الماء الزُلال
فَغسَلْتُ أدراني وتَطهَّرتُ من النَّجَاسَةِ؛ فَبانَت عَوْرَاتي.
§ نَواميسُ الشَرِّ تبُثُّ السُمَّ الزُعافَ
مُعطَّرًا بذِكر الله.
§ مُستقبل المَوْتَى أَحْلَامُ الفاشِلينَ.
§ ما زِلتُ أتَسَاءَلُ عَنْ مُفارَقَةِ
أَرْقَى المَخلُوقات، يَدَّعِي السّلامَ ويَقتاتُ على بني جِنسِهِ.
§ سأَفْتَحُ كَنْزَ الرَحَمَاتِ، وأَدْخُلُ
مِنْ بَابٍ واسِعٍ؛ لأُنَاجي الله سَائلَهُ أن يَهْديَ الإنسَانَ الضَّائِعَ.
§ رَأيْتُ
دِيدانًا أَشْكَالًا وأَلْوَانًا تَأكُلُ أَوْرَاقًا، تَنْخُرُ أَغْصَانًا مَثَلُها
بشر يَأْكُلُون إنْسَانًا يِقْتُلُون ويَنْهَبُون... ويَشْكُرُون الرَّحْمَن.
§
أَعْرِفُ
أنَّ عُمْري قَصِيرٌ مَهْما طَالَ، لِذلِكَ أَتَذوَّقُ الحَيَاةَ بِشَغَفِ
المُغَادِر.
§
فَضيحَةُ
الفَضيلَةِ أنها استَحَالت إلى وَسِيلَةٍ.
§
بَينَ
البِدَايَةِ والنِهَايَة أسكُنُ جَسَدًا لا يُشارِكني فيه سِواكِ.
§
كُلَّما
سَكَنْتُ إلى نَفْسِي تساءلت إنْ كانَ لوُجُودي مَكانٌ أو لِمَكَانِي وُجودٌ.
§
ما
أَشْقَى المَرْأَةَ التي تَتَصَرَّفُ كالرِّجَالِ... وتقولُ إنها أُنْثى.
§
ويلٌ
لأُمَّةٍ تَتَوَضّأُ بِدِماء أَبْنَائِها لتُصَلّي صَلاة الشُكْرِ؟
§
أَعِيشُ
في ظِلِّ طُغْيانٍ ورِثْتُهُ، أَتَنَفَّسُ عَفَانَةً في زَريبَتِهِ رُغْمًا عَنْ
شَمْسِ الحُريَّةِ.
§
لَا
أَتَغَيَّرُ مَعِ المَكَانِ لَكِنَّ المَكَانَ يَتَغَيَّرُ لِأَجْلِي... ذَاكَ
هُوَ الفَاِرِقُ.
§
الانْعِتاقُ
سِرُّ اللّقاءِ مَعْ السَّمَاءِ.
§
قَالَت
مَوْجَةُ بَرْدٍ لِهَبّةِ صَقيعٍ: إيّاكِ والاقتِرابَ من ذاكَ القَصْرِ المُنيفِ
فقُلوبُ سُكّانِه أبْرَدُ من جَليدِكِ.
سَتَموتين.
§
أَمْطَرَت
السَّماءُ إنْسَانيّةً فَتَسَارَعَ السِياسيّون إلى مَلاجِئِهم دَرْءًا
للنَّجَاسَةِ.
§
كانَت
السَيَّارَةُ فَخْمَةً أنِيقَةً، لكنَّ السّائِقَ لَمْ يَكُنْ.
§
ما
بَيْنَ الجَنَّةِ والنَارِ تَرتَعُ أشْوَاقي وأسْرَاري. أعشَقُ في الجَنَّةِ
حُوريَّةً، وألفَ امرأةٍ في النّار
§
مُذ
قَرأتُ كَلامَ الرَحْمَن في القُرآنِ "إنَّ الصّلاةَ تَنْهَى عن الفَحْشَاءِ
والمُنكَرِ"، وأنا أَتَساءَلُ عن اسم الصَّلاةِ التي لا تَنْهَى
§
القَصِيدَةُ...عِطْرُ
أُنْثَى.
§
جَاهَرَتْ
بِأنَّ حُزْنَهَا عَلَى مَنْ رَحَلَ أَقْوَى مِنْ حُبِّها للّذِي بَقِيَ
حَيًّا.... فَخَسِرَتْ الاثْنَيْنِ مَعًا.
§
ألا
تَرينَ بَسْمَةَ العَصَافيرِ عِنْد مَذبَحِ المَعْبَدِ تُبارِكُ قُبْلَةَ الأمسِ؟.
§
ما
أتعسَ المَرأةَ التي يَزْدادُ جَمَالُها وتَخبو أُنوثَتُها.
§
صَائِمٌ أبدَ الدهرِ عن الحقِّ هو؛ يَنتظِرُ هِلالَ
الرَّدى ليُفْطِرَ على ثِمَارِ فِسْقِه.
§
مَنْ
رَضَعَ عَارًا اكتَنَزَ خيانَةً.
§
نَسِيتُ
أَنَّنِي أُحِبُّها.... فعَشِقْتُها.
§
عِنْدَ السَّفَرِ... تُدْفَنُ المَشَاعِرُ في حُضْنِ الوَدَاعِ.
§
لَوْحَةُ
الوُجُودِ بَاهِتَةٌ غَشّاها هِبابُ أَفْعَالِ البَشَرِ.
§
يَدايَ
صَغيرَتان وأَحْلامي كبيرةٌ... والفَجْرُ يُضيءُ مَنَافِذَ الأَمَلِ.
§
شَدّني
الحُلْمُ فوقَ بَحْرِ التَشَظّي فَعَانَقْتُ رَذَاذَ البَحْرِ مُتَلاشِيًا.
§
قبّلَهَا قُبْلَةَ الحُبِّ الأخيرةِ قَبْلَ عَقْدِ
القِرانِ.
§
قَدَّمَ
للثعابينَ عَصَافيرَه قُرْبَانًا، عُرْبونَ مَحَبّةٍ... وتَبَادُلَ مَرَاعٍ، ما
عَادَ تَغريدُ العَصَافيرِ يُطْرِبُهُ، َعْدَما عَشِقَ فَحيحَ الأفَاعي.
§
ما
زَال يَكتُبُ حِكَايَةَ الرَّجُلِ الذي طُرِدَ مِنَ الجَنّةِ لِقَضْمِهِ تُفاحَةً.
لَكِنَّهُ لم يَكتُبْ حَرْفًا واحِدًا عَمَّن يُتْخَمون بِأنْواعِ التُفّاحِ
والخَطَايا طَمَعًا بِجَنَّةٍ ثَمنُها بِضْعُ تُفّاحات؟
§
رَبّي
وربُّك يَسكُنان بَيتَ الخَالِقِ.
§
التَحوُّلُ مِنْ عَالَم الرِّق البَشَري إلى
رِقّ الرَّقَاقَةِ الرَّقَميَّةِ خُطْوَةٌ أولى في مَكْنَنَةِ البَشَرِ.
§
للّيلِ
أَحلامٌ شاحِبَةٌ تفضَحُها خُيوطُ الفَجْرِ.
§
فَاضَ
الوِعاءُ الصّغيرُ فأَعْلِنُه طَوَفَانًا.
§
أتساءل إِنْ كَانَتْ حِكْمَتِي فِي حُفْرَتِي؟ أَمْ
حُفْرَتِي فِي حِكْمَتِي؟.
§
نَلُوذُ
مِنْ لَهيبِ الرُّعْبِ بِعَبَاءَةِ الجَهْلِ.
§
شَعْنينَةُ
الفُراقِ قُرْبانُ شَوقٍ ونَبيذُ ودَاع.
§
هَزَمَتْهُ
أَفكَارُه؛ فَكَتَبَها قَصِيدَةً. لم يَكتَرِثْ
أَحَدٌ.
§
أَرْتَشِفُ عُصَارَةَ المَرَارِ لأبْتَلِعَ صَبّارَ
الطُغْيانِ.
§
عِنْدَما
يَتجَلّى حَاكِمُ بِلادي تَشْتَعلُ نَارُ التَفْرِقَةِ والطّائِفيَّةِ.
§
وَخْزَاتُ
أَلَمٍ تُعَانِدُ سُهَادِي، وصَهيلُ اللّيلِ يَهْزِمُ أَوْرَادي.
§
للحُريَّةِ
طِعْمٌ زُلالٌ لا يَسْتَسيغُهُ العَبيدُ.
§
كَمْ
أَثِمْتُ وَنَسِيتُ، وَكَمْ أُثِمْتُ وتَذَكَّرْتُ، وَما زَالَتْ عَيْنُ اللهِ
تَرْعَانِي.
§
العصافيرُ
لا تَسْبَحُ، والأَسْمَاكُ لا تَطيرُ، وأنا لا أعرِفُ الحَقيقَةَ.
§
أَنْزِفُ
عُصَارَةَ وُجُودي في خَابيَةِ القَدَرِ عَلَّني أُبْعَثُ في جَسَدٍ لا
يَعْرِفُني.
§
أَعْمارُنا
قَصيرَةٌ والحَاكِمُ يَنْهَشُ أَطْرَافَها.
§
مَا
أَطْوَلَ اللَّيْلَ عِنْدَما نَعُدُّ الثواني... ومَا أَقْصَرَ العُمْرَ في
رِحَابِ القَدَرِ.
§
أَيُّها
الحَاكِمُ: سَتَسْتَمِرُّ الحَيَاةُ مِنْ دونِكَ عِنْدَمَا تَرحَلُ!
مُتّ مُطْمَئِنًّا!
§
في
مَعْبَدِ الحَاكِم شُمُوعٌ من بَشَرٍ، عِمْدانُها أَجْسَادٌ وفَتَائلُها رِقَابٌ.
§
سَنابِلُ
وُجُودي مُبَاحَةٌ لِلطُّيورِ.
§
تَفرَحُون
لمَولودٍ جَديدٍ يُشاركُكُم البؤسَ والكَذِبَ والرِّياءَ، وتَبْكُون عِنْدَما
يَسْتَعيدُه الرَّحْمَن. ابكوا لِقُدومه
وابتَهِجوا لِرَحيلِهِ!
§
صَلّيْتُ صَلاةَ الفَجْرِ ناسِكًا، ثُمّ واريتُ فَضِيلتي
تَحْتَ سَجّادَتي، وخَرَجْتُ.
§
حُفَاةً على دَرْبِ المُهَمَّشين، نَرتَشِفُ نَدى
الفَجْرِ مَعْ بَقَايَا التَّائِهينَ.
§
مَا
كَانَ أَنينُه لفحاتِ شَوْقٍ وحَنينٍ. بل صَدى قَرقَرةٍ تَزْفُرُها
مَعِدَةُ الجِّيَاعِ.
§
الحُلْمُ
تَعويذةٌ، صَنَعَها الزَّمَانُ، مَزيجَ حُبِّ وكَرَاهيّةٍ.
§
مَنْ عَميَت بَصِيرتُه لا تُفيدُه حِدّةُ البَصَرِ.
§
شِفَاهُ
عَصْرِنا مُخادِعَةٌ؛ قَلْبُها مَفْطُورٌ وتَبتَسِمُ.
§
العَطَاءُ المَمزوجُ بِلذَّةِ الوُجود سِرُّ
العَارِفينَ.
§
دُموعُ الصُّعُودِ إلى القِمَّةِ أَصْدَقُ مِنْ شَهْدِ
الانحِدَارِ إلى الهَاويَةِ.
§
مَا
أَجْمَلَ مَا تَكْرَهُ هَذِه الأُمّةُ. أَسْكُنُ إلى شِغَافِ قَلْبي أُردِّدُ
اسمَها صَلاةَ عِشْقِي.
§
التُفّاحَةُ
تُبَعْثِرُ تَراتيلَ عَصْرِ الخَطَايا.
§
أَشْفَقَ
عَليّ سُلْطَانُ الكَرى فأَوردني غِيابَات النِسْيانِ.
§
أَحْبَبْتُكَ
كالرَّبيعِ... فلا تَعْصُف بي كالخَريفِ.
§
عَشِقْتُ
زَهرَةً تَهْوَى الحَيَاةَ، غَشَّيْتُها بَيْنَ تالاتِ النَّخيلِ، حَارِسُ
"الأَخْلاقِ" جَرّمَنا؛ فَقَصَفَها باسمِ الأَعْلَى الجَليلِ
§
صَنَعْتُ
قِدّيسًا مِن بَشَرٍ راحُهُ ناعِمَةٌ وقَلْبُهُ حَجَرٌ ظَنَنْتُه خَالِدًا...
لَكِنَّه مَاتَ وانْدَثَر، ووَرَّث أَبْنَاءَهُ اسْتِعْبادَ البَشَر.
§
الشَمْعَةُ
لا تَحْرِقُ نَفْسَها من أجلِ أَحَدٍ. بَلْ تُشعَلُ
ويُضَحّى بِهَا.
§
وَجَدْتُ
أَلْفَ سَبَبٍ لِلْحُبِّ ولَمْ
أُصَادِفْ واحِدًا لِلكَرَاهيّةِ.
§
اتَّخَذْتُ بَعيري رَفيقًا في غَيَاهِبِ لَيْلٍ سَحيقٍ. أتُراه
إرثٌ مَسْتورٌ؟
§
الكُلُّ يَكْتُبُ ويدّعي المَعرِفَةَ. وذاكَ الصَّامِتُ
يَكتُبُ بِمِمْحَاتِه على صَفْحَةِ الوُجُودِ حِكْمَةَ الغَدِ.
§
كَمْ حَسَدْتُ فِنْجَانَ القَهْوَةِ وهي تَرْشُفُهُ.
§
سَجّادَةُ
صَلاةٍ
نَسَجَها حَائِكٌ مَغْمُورٌ... تَزَاحَمَت عليها خُيوطُ العَنْكَبوتِ.
§
نَامَ
مَعْشُوقًا ، وصَحَا عَاشِقًا، ثُمَّ
ارتَحَلَ فِي أَحْضَانِ جِنِّـيَّةٍ
فَهَلّْ يَعُودُ...؟.
§
مَنْ
أَمْسَكَ فَرَاشَتي مُتلَبّسَةً بِألوانِها؟. مَنْ سَرَقَ عُصْفورَتي وصَادَرَ
أَلحَانَها؟
§
بَيْنَ
السّمَاءِ والأرْضِ عَيْنا صَقْرٍ وفَأْرٍ. الرَّدى يَبْتَهِجُ للقُربَانِ.
§
أَفِيقُوا
رَحِمَكُم الله ...قد أَشْرَقَت شَمْسُ الحُريّةِ.
§
مِنْ
سِحْرِ الوُجودِ أنَّ النادِرَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ لا شَيء.
§
حَلُمْتُ
بِكِ فِكْرَةً... كَتَبْتُكِ في وجداني... أَهْدَيْتُكِ أَلواني وَضَعْتِني في
فَهرَسِ النِسْيانِ.
§
صَدَى الغَابِرينَ بُحّةُ نايٍ تَبوحُ بِتَراتيلَ إلَهٍ مَرَّ مِن هُنا.
§
مَزيجُ الخَيْرِ والشَرِّ يُفرحُني
حِينًا، ويُقْلِقُني أَحْيانًا.
§
أُحَاضِرُ عَن الفَضيلَةِ، وأُمارِسُ الرَّذيلَةَ، ومِن
ثمَّ أَحْلِفُ صَادِقًا.. أَلَسْتُ إنْسَانًا؟
§
الشَهوةُ
بَريقُ الشِّفَاهِ، وكِحْلُ العَينِ إغواءٌ، تَمايُلُ الأجْسَادِ بَوْحٌ، بَيْنَ
سِحْرٍ وإغْرَاءِ.
§
صَامَ
وَصَلّى وَقَدَّمَ القَرابينَ. مَاتَ فالتَقَفَتْهُ الدِّيدانُ ولَمْ يَحْضَرْ مُنكَرٌ
ولا نَكيرُ.
§
يَقْطُفُ
البَعْضُ ثِمَارَ الكَراهيّةِ مِنْ شَجَرَةِ الحُبِّ.
§
تَئِزُّ
الرّصَاصَةُ حِينَ إطْلاقِها... وتَصْمُتُ حِينَ تُصيبُ الهَدَفَ.
§
قَبْران
مُتلاصِقان، فُتِحَت كُوّةٌ من الجنّة لأحدِهما وكُوّةٌ من النارِ للآخَر. لَمْ
يَعُدْ لِيَومِ الحِسَابِ من مَغزى.
§
لا
وَقتَ لَدَيَّ لِلكَراهيّةِ فَعُمْري قَصِيرٌ جِدًّا.
§
مَن
يَحْرِقِ العُودَ يَفْضَحْ عِشْقَهُ.
§
لوجودِكِ
نَكْهَةٌ مُميّزَةٌ يَعْشَقُها الكثيرون.
لكنّها لَيْسَت أَفْضَلَ من النَّكْهَات الأُخْرى كما تَعْتَقدين.
§
رِقُّ الرَّقَاقَةِ الرَّقَمِيَّةِ أَكْثَرُ خَطَرًا مِن الأَصْفَادِ الحَدِيدِيّةِ
§
دَمْعَةُ
الحُزْنِ لا تَحرُقُ إلا خدَّ صَاحِبِها.
§
أَهْدَاني
الأَوْغَادُ عَبَاءَةَ إلحَادٍ مُضمَّخةً بِعُفونَةِ الأسْيَادِ، عَلَّني أَسْجُدُ
لَهُم.
§
القُبْلَةُ لَمْ تَكُنْ.... لكنَّها شَهيَّةٌ.
§
سُبحةُ المَوْتِ طويلَةٌ... تَجْمَعُ خَرزاتِها مِنْ أَرْوَاحِ مُحبّي.
§
تَحَقَّقَتْ
نُبُوءَةُ الخَرْسَاءِ، كَمَا قَالَتِ الصَمَّاءُ؛ فَـتَبَخَّرَتِ القِيَمُ، وَلَمْ
تُمْطِرْ السَمَاءُ
§
أَعُودُ
طِفْلًا لُغَتي غَريبةٌ. كُنتُ هُنا. أَرْضُكُم مُريبَةٌ
§
أَخَافُني
مُذ أَدْرَكْتُ بَشَريّتي.
§
اليوم
مداد أمسه، وغدًا ذاكرة ونسيان
§
شَهيدي
قَاتِلُ ابنَك.
§
نَصْلُ
الحُريّةِ الصَّدئِ لا يَقْطَعُ أَصْفَادَ العُبوديَّةِ.
§
كَأْسُ
الثَرْثَرَةِ نَديمُ التّافِهينَ.
§
الجَهْلُ
رَبُّ الفَسَادِ.
§
يَقْطُفُ
البَشَرُ بَشَرًا لِلَذّةٍ. لذّةِ حُبٍّ. لَذّةِ انْتِقامٍ. لَذّةِ تَشَفِّي. ولذّةِ
مَوْتٍ زُؤامٍ.
§
أنَا أُحِبُّ أنَا؛
فإذا أنَا لَمْ يُحِبّ أنا
لن يَبْقَى أنَا أنَا.
لِذَلِكَ على أنَا أنْ يَعْشَقَ أنَا
حتى يَلْتَحِمَ في أنَا الوُجودِ
مَشَاعًا.
§
يِقْطُفون ثِمَارَ البَشَرِ ويَرحَلُون.
وتَبْقى قِشْرَةُ الجَسَدِ خَوَاءً.
§
مَنْ
لا ينتمي إلى وَطَنِ امرأةٍ عَاشَ مُتَشَرِّدًا.
§
السِجِلُّ
الأنيقُ يَحْفَظُ الإبدَاعَ والإسْفَافَ.
§
أَحْلَامُ
العبيِد سِوَارَان ذَهَبٌ
في المِعصَمِ وحَبْلُ بَعيرٍ حَوْلَ العُنُقِ.
§
في
وَطَني نَتَوارَثُ الحُكْمَ والطّائِفيَّةَ كَمَا الحِقْدَ والكَرَاهِيَّةَ.
§
تَراصُفُ الأفْكَارِ عِنْدَ مَحَطّةِ الذكرياتِ يَخَافُ عَاصِفَةَ النِسْيَانِ.
§
سَاعَتي
بلا عَقَارِبَ، وَلَسْعُ القَدَرِ إدمانٌ، زَخّاتُ المَطَرِ سُبحَةٌ تَتلو صَلاة
وأحزانًا.
§
أُبَارِحُهُ يَتْبَعُني. أَخْلَعُهُ يُلازِمُني،
تَسلّلَ بينَ الخلايا.
يَعْشَقُني... يُعاقِبُني.
§
تَقْتَاتُ
العَصَافِيرُ على ثِمَارَ الزَمَنِ، وَتُغَرِّدُ لبَهْجَةِ اللّحْظَةِ.
§
مَنْ لا يُجيدُ لُغَةَ الحُبِّ، تَصْعُبُ عليه قِراءَةُ
إنْسَانيَّتِه.
§
مَنْ
تَوارَثَ العُبوديَّةَ ظَنّها سُنَّةَ الحَياةِ.
§
ما
أَغْرَبَ الفَسَادَ، غيَّر أَحوالَ العِبَادِ، فَجَعلَ من السُوقَةِ أسيادًا،
ورفَع السُّفَهاء إلى عَلياءِ.
§
الانْعِتَاقُ
مِنْ دَسَاتيرِ البَشَرِ هُوَ سِرُّ اللِّقَاء مَعْ السَّمَاءِ.
§
اغْتَصَبَ
وُجُودي بِقَصيدَةٍ.
§
أَصْدَقُ
الأَحْلامِ تِلْكَ التي لا تَنَامُ.
§
الصّمْتُ
كائِنٌ استِثنَائيٌّ... يُخيفُني أَحْيانًا.
§
عِنْدَما
تَعمى البَصائر والأبْصَارُ تَسْكُتُ الأوتَارُ.
§
العَجْزُ
عن تَذوُّقِ الحَقيقَةِ فَنَاءٌ مُرْعِبٌ.
§
الريحُ
تَحْمِلُ الشّظايا... والأَرْواحُ تَتَنَشَّقٌ بُخَارَ المَوْتِ.
§
يَقولُ
المَثَلُ العَرَبي: "السِّلاحُ زينَةُ الرِّجالِ". تبًّا لِفَلْسَفَةِ
المَوْتِ.
§
نَعُدُّ الرَّاحِلينَ في مَجَالسَ عَزَاءٍ،ونَنْتَظِرُ دَوْرَنا خَوفًا مِنْ فَنَاءٍ.
إنّه الخوفُ... وباءٌ... وباءٌ... وباءٌ.
§
مَا
زَالَ الخِلافُ قَائِمًا بَعدَ وَأْدِها. أَيَبْكون فِقْدانَهُم جَمَالًا وحَنانًا
كَانَ مَوعودًا أم يَفْرحون لِوأدِ أُنْثى كَانَت سَتَفْضَحُ هَشَاشَةَ
رُجولَتِهم؟.
§
تَمسّك
بأيقونةِ الوَهم! بلْ اصنع لِنفسكَ طَوطمًا. صلّ لهُ... أسجدْ، حتى يَستَجِيب
الصَنَمُ.
§ خَلْفَ تُخُومِ النّظَرِ، وزّابٌ يَسْرِقُ الصُّوَرَ يَعْبَثُ بِأَجْسَادِ
البَشَرِ، يَنْقُرُ الأَرْواحَ كَحَبّاتِ المَطَرِ.*[7]
§ سَقَطَت هُنَيهَةُ أفكاري في مُطْلَقِ
السُّكُونِ... فابتَهَجْتُ.
§ قِصَصُ اللَّيلِ خَجولَةٌ مِنْ ضَوْءِ
القَمَرِ... لَيْتَهُ يَغيبُ أو يَسْتَتِرُ.
§ هنا أَسْكُنُ وهُناكَ أحيا. بَيْنَ هُنا
وهُناكَ أحْلُمُ بالعَوْدَةِ إلى وَطَنٍ.
§ يَمْرَحُ الذِئْبُ المُفْتَرِسُ عِندَما
تُصَفِّقُ له الكِلابُ الضَّالَةُ... كَحَالِ زُعمَاءِ أُمَّتِنا.
§ تَزْدَحِمُ الطُّرقَاتُ بِأَمْواتٍ لَم
يَصِلْهُم خَبَرُ مَوتِهم بعد.
§ بين السُّقُوطِ والارتِطَام هُوَّةٌ
سَحيقَةٌ من الأَوْهَامِ.
§ قُبْلَةٌ على خَدّي؟ وَجَدْتُها بَعد
سَبَاتٍ رَائِحَتُها مَزيجُ أَحْيَاءٍ وأَمْواتٍ.
§ تَوَقَّفَ النَبْضُ جُهِّزَ لِلْرحِيلِ. انْطَلقَت
العَرَبَةُ بَشَّ الإلَه لِعَوْدَةِ مُسافِرٍ.
§ رُوحٌ بلا جَسَدٍ تَبْحَثُ عن أَحَدٍ. يَسْكُنُ
الفَرَاغَ مُنْذُ أَنّ
وُجِدَ.
§ أَوقِفوا أَمْطَارَ الأَرَقِ, أُقتُلوا
فَسَادَ الضَّمِيرِ؛ فَفي المَهْدِ طِفلٌ صَغيرٌ.
§ العُبُودِيَةُ
سَلِيلَةُ الخَوفِ.
§ قِنِاعُ
الشَّجَاعَة يَسْتُرُ قُبْحَ المُنَافِقِينَ.
§ الجهل والمعرفة
يتنافسان على اِستحواذنا.
§ الجدارُ وهمْ.
§ العِلمُ طريدةُ البشرِ، والبشرُ طريدةُ
الجهلِ.
§ السواد القاتم أصل الوجود.
§ البقاء والفناء يتساويان في وجدان
الحكماء.
§ لا تُحاسبني على
ما أُعْطيتُ خَلقًا، بل على ما أَنْجزتُ صِراعًا.
§ الجمال زبدة المشاعر.
§ يَأتيكَ
القَابضُ مُستَحوذًا. تَرفُض! يُحَطّمُ خلاياك، ويَحمِلُكَ قِطعَ خُردةٍ.
§ كُن "بَرْقَعْد" . شكٌ
يفلعُ ويقينٌ يزرعُ.
برقعد: برق ورعد
ملحق الصور
من اليمين إبراهيم نصرالله ومحمد إقبال حرب. في معرض
الكتاب في طرابلس. لبنان. تشرين الثاني 2022
الشاعر ناجي
نعمان. يسلم شهادة جائزة الإبداع للروائي محمد إقبال حرب. بمناسبة فوزه بجائزة
ناجي نعمان عن رواية "الحقيقة"2017
الروائي محمد إقبال حرب و الأستاذ كريم بقرادوني في
دار نعمان للثقافة بالمجَّان.
أيار 2023
من اليمين الروائي شكري أنيس فاخوري، والروائي محمد
إقبال حرب. خلال حفل توقيع رواية "هنا ترقد الغاوية" في قصر اليونسكو.
حزيران 2014
من اليمين الأستاذ عبد الكريم الأرناؤوط، والشاعر عبد
الكريم بعلبكي، والكاتب والمناضل حبيب صادق، والروائي محمد إقبال حرب
مع النجمة المسرحية نضال الأشقر، والدكتور حميد صابر
علي. من العراق. وهو مسرحي وأستاذ جامعي ومؤلف ومخرج. في مسرح المدينة ببيروت 2023
من اليمين الشاعر د. محمد علي شمس الدين خلال حفل
تكريمه من قِبل المنتدى الأدبي اللبناني في شهر آب 2019، والروائي محمد إقبال حرب
والأستاذ مصطفى جوني.
(خلال ندوة
حول كتاب "يعيش النظام")
من اليمين الشاعر محمد نجيب الرمادي، والشاعر
والإعلامي السيد حسن، والروائي والقاص محمد إقبال حرب، و .د. يسري عزب عميد كلية
الآداب في دار الآداب بالقاهرة 2016. نوفمبر
الروائي. محمد إقبال حرب، ووزير الثقافة اللبناني.
محمد وسام المرتضى . في مكتب وزارة الثقافة. حيث أهدى للوزير من أعماله الأدبية في
أيار 2023
الروائي
محمد إقبال حرب والأديب الإعلامي .د. محمد البدوي في مدينة المنستير. تونس. شهر
نيسان. عام 2017
مع ثلة من شعراء 17 دولة في مهرجان الشعر العالمي في
كوسوفو. أيلول 2013 تحت رعاية الفيلسوف الشاعر "فخر الدين شيخو" وزير
الثقافة الكوسوفي
السيرة الأدبية للروائي محمد فتحي المقداد
. الجنسية. سوريا.
.الشهادة الثانوية العامة الفرع الأدبي
الجنس. ذكر
. مواليد 1964 بصرى الشام جنوب سوريا من محافظة درعا.
مقيم في مدينة إربد. المملكة الأردنية الهاشمية.
المهنة. حلاق رجالي
. واتساب. 00962797852696
. إيميل. RAFY2BOS42@YAHOO.COM
*(محمد فتحي المقداد). ناشط ثقافي مُتعدّد المواهب
الأدبية، إضافة لعمله الأساسي بمهنة حلّاق.
*عضو اتحاد الكتاب السوريين الأحرار. عضو اتحاد الكتاب
الأردنيين. عضو رابطة الكتاب السوريين بباريس. عضو البيت الثقافي العربي في
الأردن. مدير تحرير موقع آفاق حرة الإلكتروني.
*فقد
أنجز العديد من الأعمال الأدبية، حملت عناوين لكتابات في الرواية والقصة القصيرة
والقصيرة جدًا والخواطر والمقالة. نشر منها ستة أعمال ورقية، ونشر جزء منها
إلكترونيًا، وما تبقى ما زال مخطوطًا طي الأدراج.
..*..
*المؤلفات:
1-كتاب (شاهد على العتمة) طبع 2015 في بغداد.
2-رواية (دوامة الأوغاد) طبعت 2016 في الأردن.
3-كتاب (مقالات ملفقة ج1) طبع 2017في الأردن.
4-رواية (الطريق إلى الزعتري) طبعت 2018 في الأردن.
5-رواية
(فوق الأرض) طبعت في 2019 في الأردن.
6-مجموعة أقاصيص(بتوقيت بصرى) طبعت في 2020 في الأردن.
7- كتاب خواطر (أقوال غير مأثورة).
8- كتاب خواطر (بلا مقدمات)
9- كتاب خواطر (على قارعة خاطر)
10- كتاب مقالات نقد أدبي (إضاءات أدبية).
11- كتاب تراث (رقص السنابل)
12- مجموعة قصصية (قربان الكورونا) خاصة في أدب العزلة زمن الكورونا.
13- حوارات متنوعة بعنوان (على كرسي الاعتراف).
14- قراءات أدبية سورية\ ج1
15- قراءات في الأدب العربي الأفريقي
16- قراءات أدبية سورية ولبنانية\ ج2
17-المحرر الثقافي .ج1. (بطاقات تعريفية بكتب صدرت حديثًا)
18- تقديمات لكُتُب.
19- قراءات في الرواية الأردنية.
20- قراءات في الأدب الأردني الحديث
21- حديث المنجز
22- قراءات في الشعر الأردني
الحديث
23-قراءات روائية في الأدب العالمي
24- (بين بوابتين) رواية تسجيلية.
25- (تراجانا) رواية فنتازيا تاريخية متزاوجة مع الواقع بإسقاطاتها.
26- (دع الأزهار تتفتح) رواية بين الماضي والحاضر.
27- (زوايا دائرية) مجموعة قصة قصيرة.
28- (رؤوس مدببة) مجموعة قصة قصيرة
29- (سراب الشاخصات) مجموعة قصة قصيرة جدا \ق.ق.ج.
30- (قيل وقال) مجموعة قصة قصيرة جدا \ ق.ق.ج.
31- (مياسم) خواطر أدب نثري.
32- (جدّي المقداد) سيرة الصحابي الجليل المقداد بن عمرو.
33- (الوجيز في الأمثال الحورانية) تراث حوراني.
34- (الكلمات المنقرضة من اللهجة الحورانية).
35- (مقالات ملفقة ج2)
26- (دقيقة واحدة) مجموعة قصة قصيرة.
37- رواية خيمة في قصر بعبدا
38- رواية خلف الباب
39- قراءات في الأدب العربي الحديث.
40- كتاب قراءة في رواية يابانية ((1Q84
للروائي هاروكي موراكامي
41- كتاب خواطر (كيف، وكاف وياء وفاء).
42- موسوعة (دليل آفاق حرة للأدباء والكتاب العرب) خمسة أجزاء، بالتعاون
محمد الأديب محمد حسين الصوالحة.
43- كتاب: حوارات في المنفى (حوارات
أدبية).
44- رواية: (بنسيون الشارع الخلفي)
45- كتاب (حوارات سورية في المنفى)
46- كتاب (صريف الأقلام) ما بين الفكرة والكتابة
47- كتاب (تغاريد) خوطر تويترية
48- كتاب المحرر الثقافي ج2
(بطاقات تعريفية بكتب صدرت حديثًا)
49- كتاب حول تجربة محمد زعل السلوم.
50-رواية. سكلمة (قيد الإنجاز) قريبا.
51- كتاب فضاءات محمد إقبال حرب.
52- الدر الدفين في كتاب المساكين
*دراسات كتبت عن أعماله:
-بحث (الواقعية في الأدب العربي. أنموذجًا رواية دوامة الأوغاد- للروائي محمد فتحي
المقداد) تقدم به الباحث طالب عبد المهدي الفراية في جامعة مؤتة، خلال دراسته
الماجستير.
- "أدب اللجوء" بحث كتبه الكاتب والباحث محمد
زعل السّلوم، لصالح مركز حرمون للدراسات، ودخلت كتابات الروائي محمد فتحي المقداد
(كتاب شاهد على العتمة, ورواية الطريق إلى الزعتري) ضمن بحث أدب اللجوء هذا
المصطلح الذي قُنن نتيجة ظروف الحرب في
سوريا والمنطقة.
-بحث لنيل شهادة الماجستير في جامعة مؤتة، تقدم به
الباحث مالك الصرايرة، بعنوان (الأزمة السورية وانعكاسها على الأدب في بداية
الألفية الثالثة- رواية الطريق إلى الزعتري للروائي محمد فتحي المقداد).
- بحث لنيل
رسالة الماجستير بعنوان(أثر الحرب في تشكيل صورة المرأة في الرواية السورية دراسة
في نماذج مختارة) تقدمت به الطالبة: "سلسبيل الزبون" في جامعة العلوم
الإسلاميّة في الأردن، وكانت رواية (الطريق إلى الزعتري- للروائي محمد فتحي
المقداد) إحدى النماذج المختارة. تحت إشراف الأستاذ الدكتور: "موفق
مقدادي". ومناقشة الأستاذ الدكتور: "عماد الضمور".
-بحث مُحكم في مجلة الرسالة للبحوث الإنسانية، جامعة
محمد الصديق بن يحيى جيجل الجزائر، كتبته الباحثة "سعاد طبوش" بعنوان
"كورونا منعرج جديد للأديب حول العالم. هاجس الخوف والضياع في قربان الكورونا.
لمحمد فتحي المقداد ".
*بحث في جامعة مؤتة تقدم به الباحث" طالب عبد
المهدي الفرَّاية" لنيل رسالة الدكتوراه، بعنوان "الجملة المشهدية بين
الشعر والرواية. بين الشاعر عبدالرحيم جداية. والروائي محمد فتحي المقداد".
قام فيها بدراسة مجموعة الأعمال الروائية (دوامة الأوغاد. والطريق إلى الزعتري.
وفوق الأرض).
* كتب العديد من الدراسات النقدية عن مجموعة أعماله
الأدبية المطبوعة، قدّمها أدباء ونقّاد عرب . كما صدرت له العديد من النصوص في كتب
مشتركة عربيًّا، ونال العديد من شهادات التقدير، والتكريمات خلال مشاركاته من الهيئات
الثقافية الواقعية والافتراضية. ونشر الكثير من أعماله في المجلات والجرائد
الورقية والإلكترونية.
*له العديد من المقابلات الحوارية التلفزيونية، على قناة الأورينت، قناة
العربي وسوريا، وقناة الرافدين، وقناة الحوار، وقناة الغد وغيرها.
*وقريبًا- تحت الطبع رواية (خيمة في قصر بعبدا) دخول في
محاولة إشاعة مفهوم السّلم الاجتماعي بين الشعبين السوري واللبناني على ضوء ما حصل
في ظروف الحرب واللجوء، بعيدًا عن مخرجات السياسة القذرة.
-تحت الطبع رواية (خلف الباب) الخاصَّة بحياة اللَّاجئين
في المخيَّم.
* عمل على جمع وإعداد (دليل آفاق حرة) للأدباء والكتاب
العرب، بأجزائه الخمسة التي وثقت لألف اسم أديب وكاتب عربي، وهذا العمل يعدُّ
موسوعة عربيَّة. بالتعاون مع الأستاذ محمد حسين الصوالحة من الأردن، مؤسس ومدير
موقع وصحيفة آفاق حرة.
***
ملاحظة: هناك العديد من المشاريع الكتابية التي يجري
الاشتغال عليها. سترى النور قريبًا.
الفهرس
المنحى الإنسانيّ نهج للأعمال
الروائيَّة
فضاءات المكان في رواية الملعون المقدس
البُعد الاجتماعيّ في رواية (هنا ترقد الغاوية)
التعدد الدَّلالي في كتاب "برقعد"
سردية برق ورعد في كتاب (برقعد)
السيرة
الأدبية للروائي محمد فتحي المقداد
[1] البقرة، الآية
31
[2]سورة النمل
34
[3] الحوار السابق والصريح؛ كان مع المؤلف حول
دوافعه لكتابة الرواية، والعقبات عند نشرها.
[4] الكلام الوارد هنا على لسان الكاتب محمد
إقبال حرب.
[5] الفقرة منقولة عن مصادر الأنترنت.
[6] عن مصادر الأنترنت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق