الجمعة، 17 يونيو 2022

رواية خبز وشاي

 قراءة على رواية خبز وشاي 

للأديب و الروائي - أحمد فرّاس الطراونة

بقلم - (محمد فتحي المقداد)


صدرت حديثاً عن دار الآن ناشرون وموزعون في عمّان، وجاءت الرواية في 224 صفحة من القطع المتوسط، موزعة على 31 عنوان موزعة على فقرات، التشويق هو الأساس الذي يرتكز عليه السرد، لغة جميلة بصنعتها الأدبية الواعية لعمق المشهد الذي تتناوله، وحيثياته المحيطة، فالكاتب أراد توصيل رسائله للمتلقي، وكانت واضحة للعيان دون عناء، محفزة على التفكير بدافع الغيرة الوطنية للمحافظة على مكتسبات الوطن. 

الجنوب يتكلم بأماكنه على لسان أحمد الطراونة، ويعلن للعالم أنني ما زلت هنا على قيد الحياة، رغم  تحديات التجاهل و النسيان، فعلى الغلاف بعد العنوان الرئيسي (خبز و شاي) جاءت عبارة (سيرة أبو وئامْ الكَرَكِيّ)، ولم يفصح الكاتب عن تلك الشخصية التي حملت سيرتها الرواية من أول صفحة آخرها، إلا مرّة واحدة، وهو الشاب أحمد الذي توفي والده وتركه مع أخيه خالد، وتهيج ظروف الفقر بقسوتها على العائلة، لتأتي الخيارات القاسية وتسوقهما في أتونها، ذئاب بشرية متربصة ماهرة في استغلال حالة الفقر المجتمعيّة، وهذا أحد استغل حاجة الشاب أحمد وأسرته، وعمل على تجنيده لصالح التنظيمات المتطرفة الظلامية، وبقوة تأثيرية جعل الشاب ينساق وراء أضاليله، وانتزعه من حضن أمه ليرسله إلى أتون الحرب في سوريا. 

 بينما أخو خالد أراد مواصلة الحياة بطريق الوظيفة الحكومية في سلك الدك، وتلقى تدريبه في مراكزها المتخصصة، وأخيراً ليجد نفسه أمام خيار وظيفته وتنفيذ أوامر قائده في مواجهة المظاهرات، ومن عجيب الصدف أن يكون أخاه أحمد الهارب و العائد للتو من جحيم التنظيمات الجهادية، ويجلس في الساحة التي داهمتها المظاهرات بشعاراتها وهتافاتها التي تشق عباب السماء، كان ضمن هذه المجموعات المتظاهرة، وانتشى بصوت الهتافات وانخرط في حرق الإطارات، ومن غريب الصدف أيضأً أن تلقي قوات الدرك القبض عليه أمام عينيّ أخيه خالد الذي لم يره منذ سنة مضت، عندما قدما من المزار الجنوبي، افترقا في عمان بعد أن توادعا، هذا إلى وظيفته الجديدة، وذاك إلى حضن الظلام و تنظيماته الإرهابية. 

*** 


شخصيات الرواية كانت محدودة جداً، دارت معظم الأحداث على حياة الأخوين(أبو أحمد و أبو خليل)، وهما يعملان في حفر القبور ليلاً في الخفاء عن أعين الحكومة، وذلك من أجل كسب عيْشهما، وتأمين متطلبات الحياة في الحد الأدنى، الكفيل بالإبقاء على حياة أسرتيْهما. 

في البداية لفت انتباهي العنوان خبز وشاي، شيء لافت للنظر، فجعلني أتأمل و أتـدبر فلسفة اختيار هاتين الكلمتين، وتبادر لذهني الزعتر و الزيت، في بساطة العيش، فوجدت أخيراً أن الزعتر و الزيت يعتبرا رفاهاً مقارنة بالخبز والشاي، الطعام الدائم في كل يوم. 

غاص الكاتب عميقاً في فلسفة الفقر، والبحث عن الحياة عند الأموات في المقابر، وتجلياتها و انعكاساتها على حياة حفّاري القبور، فرثاثة هيآتهم وهزالة أجسامهم، دالة عليهم تتكلم عن حالهم دون كلام منهم.

كما أن الكاتب أبدع في تصوير حالة الانتهازيين المتسلقين، وسبيلهم إلى ذلك (الغاية تبرر الوسيلة)، من خلال أنموذج شخصية يوسف مدرس التاريخ المهزوز داخلياً، شخصية معقدة بعوامل عديدة، منها محاولته أنه ذو استقامة ورجل مبادئ من خلال الإشارة إلى الحراكات، فهو ماهر في التنظير، وفي الحقيقة فإن أحداث الرواية توضح للعيان حقيقته العفنة، التي تسعى للتآمر والطمع والجشع، بشخصيته التوليتارية البعيدة عن المبادئ التي ينادي بها نهاراً، ليكون ليلاً متآمراً تحت جنح الظلام. 

وكان الطمع سيّد الموقف فيما بين الأخوين (أبو أحمد) و (أبو خليل) حينما استخرجا كنزاً عبارة عن ابريق زجاجي، ذو أهمية تاريخية ومادية؛ حسب وصف السمسار أستاذ التاريخ، الجشع استبد بقلب أبي خليل، لينكر حق أخيه الذي أصيب بالجلطة ومات، على إثر نكران وجحود أخيه له.

الدموع تغسل الحزن عن القلوب الضامئة، وتعيد إليها شيئاً من الحياة، فكانت دموع الأخوين أحمد وخالد هي خاتمة العمل الروائي، جاءت هذه الدموع من خلفية متناقضة جملة وتفصيلاً في تضادّ الموقف الذي هيجها في عيون الأخوين، عند لحظة عودة الوعي إليهما، وهما متشابهان في تنفيذ الأوامر الملقاة إليهما، وما عليهما إلا السمع و الطاعة العمياء دون نقاش، وهما مسلوبي حق الاعتراض أو التأفف. 

عمّان \ الأردن 

17-6-2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق