استطلاع
لمجلة فرقد العدد 88 لعام 2022
بقلم
الروائي. محمد فتحي المقداد. سوريا
بداية فإنَّ
أيَّ مُنتج ثقافي هو بناء على فكرة، تغلغلت في ذهن كاتب، واستبدَّت به بسيطرتها
واستحواذها عليه؛ لتجعله في حالة مخاض عسير حتَّى ولادتها، وخروجها للعلن، لتصبح
تحت مجهر القراءة، وبذلك تكون المادَّة الثقافيَّة الابنة الشرعيَّة المُمثِّلة
بشكل حقيقيٍّ لصاحبها، وهي التعبير الصّادق عن دواخله؛ فجودتها أو رَدَاءتها
بشكلها النِّهائي، تتبع لقدرات كاتبها العالية أو المتدنية، وغنى قاموسه
اللُّغويِّ، ومدى فهمه العميق لتخصُّصه الذي يخوض غمار الكتابة فيه.
ومع الانتشار
الواسع لمستخدمي الشَّبكة العالميَّة للأنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعيَّة،
وسهولة استخدامها، جعلت من المواد المنشورة كالسيْل الجارف، منها الغثُّ
والسَّمين، وفي ظلِّ غياب الرَقابة الحكوميَّة والخاصَّة، أتاحت لأي شخص حريَّة
النشر بما يروق له، وبما يراه مناسبًا لمقاصده الحياتيَّة.
وفي العودة إلى
المُنتج الورقي على شكل كتب من خلال دور النشر، التي تلعب دور الوسيط بين المؤلف
والمطبعة، تأخذ هامش ربح يدفعه المؤلف، وهي تضطلع بالبيع التسويق بكافَّة أشكاله
الورقيَّة والإلكترونيَّة، إلى هنا الأمور تبدو معقولة جدًّا، إلى تقع الصَّدمة
للقارئ بحجم الأخطاء اللغوية والنحوية، والهبوط الفكري والقِيَمي للكتاب، هنا تأتي
مسؤوليَّة النّاشر المُفترضَة من أجل الحفاظ على المستوى الذي يليق بدار نشر تحترم
نفسها، بدل اللُّهاث والانحدار فقط من أجل العائد الربحيِّ والفوائد الماديَّة.
والمشكلة الأعظم
في الجيل الجديد من الكُتَّاب الذين يستعجلون الوصول للشهرة، دون تثقيف أنفسهم
بالقراءة، وتشكيل مخزونهم اللغوي والفكري، فتأتي الكثير من الكتابات مليئة
بالأخطاء النحويَّة واللغويَّة، والمحتوى الفارغ المتحور حول العواطف الملتهبة،
وبذلك ستكون مخرجاتها تدميرا ذاتيًّا على مستوى الأفراد والجماعات. بغير القراءة
والقراءة ثمَّ بالقراءة، لا يمكن أن تكون المخرجات الثقافية مُثقلة بموادها الدسمة
ذات المحتوى الجيد والمفيد.
عمان
– الأردن ـا 13\ 9\ 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق