الخميس، 5 مايو 2022

متتاليات (أقصوصة دقيقة واحدة)

 

مُتتاليات (دقيقة واحدة)

أقصوصة

بقلم الروائي محمد فتحي المقداد

 

نداءات البائع في طَرَف السُّوق الفارغ من الزبائن.. ذكَّرني بصُراخ الجلَّاد بعد العفو العامِّ. بينما السُّجناء كانوا يتلَّقُون التَّهاني بالإفراج عنهم. كادَ يُجَنُّ. قيل: أنّه صمَّم على الانتحار لولا أنّهم تداركوه بالمنع.

ولم أجد مُبرِّرًا لنوبة القلق عندما داهمتني في الحال، صورة المُبلّغ في قاعة المحكمة المُنعقدة للنُّطْق بالحكم على المُتَّهَم، الذي نُفِّذَ به الحُكم بعد أن لقَّنه المفتي الشَّهادتَيْن قبل ذلك. للآن لم أُدرك السَّبَبَ الحقيقيِّ الكامن خلف النَّبرة العالية الغاضبة للرَّئيس السَّادات أثناء خطابه في مجلس الشَّعب، والأعضاء مُنْصِتُون. يُحملقون في وجهه الأسمر يتأمّلون تقاطيع جبهته بخطوطها المُستقيمة كخطِّ "بارليف"، ويُصَفِّقون.

زعيق أبواق السيّارات المُتَوقِّفَة بانتظار الإشارة للسَّماح لمركباتهم بعُبور التقاطع؛ عندما أضاءت بلونها الأخضر، نفاذ صبرهم من مراقبة لونها الأحمر؛ هيَّج الزعيق بوتيرةٍ مُزعجةٍ؛ ليقطع سلسلة أفكاري المُتتالية خلال انتظاري معهم. أقلعتُ من مكاني، وصرير دواليب سيَّارتي يتجاوب مع ضِيِق سائِقِي السَّيَّارات المُحتجِّين.

بينما سمعتُ صُراخ سائق فاضَ صبره غضبًا:

-"العمى فيك..!! شو نايم؟".

وآخر: "شوف الحمار يتبختر على مهله". ثالث: "يلعن أبو إلّلي أعطاكِ رخصة السواقة..!!".

جاءني من بعيد صُراخ أمِّي ذات مرة عندما كانت نائمة، ودُموعها تقطر من عينيها المُغمضتَيْن. ولمَّا سألتُها:

-"لماذا كنت تَصرُخين يا أمِّي أثناء نومك؟".

قالت:

-"كنتَ على وشَكِ السُّقوط في الحفرة أمام البيت".

حينها كنتُ صغيرًا، لكنِّي ما زلتُ أحفظ حديث أبي حينما أخبرني:

-"قمتُ مفزوعًا من نومي على صُراخِها، رُحتُ أهدِّئها. وناولتها كأس ماء كانت بجانب رأسي".

رائحة عطر نفاذة اقتحمت أنفي بقوَّة انطلقتْ من تاكسي حديثة تجاوزتني، تقودها شابَّة تضع نظارة سوداء تُخفي عينيْها، وخصلات شعرها الشَّقراء تتطاير عبر النافذة، لم أنتبه إلى رِجْلي الضَّاغطة بكامل قُوَّتها على دعسة البِنْزين، إلَّا عندما أوشكتْ مُقدِّمةُ سيَّارتي الاصطدام بمُؤَخِّرة شاحنة كبيرة. صوت أمي أيقظني في اللَّحظة الأخيرة.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق