ذات النظّارة
أقصوصة
بقلم: محمد فتحي المقداد
اتصال من مُتكلّمٍ مجهولٍ، تظهر عبارة
(رقم خاص) على شاشة الهاتف النقّال.
صوت غير مألوف، اقتحم عالمه بفظاظة مررتُ
بها سابقًا:
- جهِّزْ نفسك.
انقطع الاتصال قبل استفساره، لم تُتح له
فرصة تحريك لسانه داخل فمه.
تُركّز نظراتُها على شفتيه عندما خرج طرف
لسانه بحركة لا إراديّة، غير بريئة لترطيب جفافهما -حسب رأيها-.
لم ينتبه لها إلّا قُبيل انحرافها إلى الجهة
المُغايرة له، النظّارة السَّوداء غطّت معظم ملامح وجهها. عجزت ذاكرته عن معرفة أيّة
معلومة منسيّة، أو موقف ربّما جمعه بها، ولا حتّى مكان ولا زمان.
نظراتٌ بلهاءٌ طفَحت على ملامحه، بينما
راح يمسح وجهه، كأنّه أحسّ بِثِقَل نظراتها على شفتيْه. مطّهُما للأمام. سمعتْ أُذُناه
صوت إطباقهما بقوّة قُبلَة عميقة.
عيناه ما زالتا تقتفيان أثرها بين زحام
النّاس في سوق الخُضار. بالكاد سمع رنين الهاتف. فستانها الأحمر.. وطلاء الشّفاه..
وتورّدُ الخدّيْن. نيرانٌ تبعثُ بوهج حرارتها، لتصطدم بصوتٍ ناعمٍ رقيقٍ.
- "اللّعنة.. أيضًا.. رقم خاصّ"
.
- "ألْ.. للّو - بغنج غير طبيعي- حضرتُك
الروائي الذي حصل على الجائزة؟".
- "نعم.. أنا هو".
- "خلّيك معي لحظة، لو سمحت، سعادته
مشغول بمكالمة".
- "مؤكّدٌ أنّي معكِ" .
إشعار تطبيق الواتساب اقتحم الشاشة عُنوةً
غير آبِهٍ بالموقف الذي ينتظره.
-" آه.. لو علم سعادته بأمر الصديقة،
لا أشكُّ بإجباري على تسليم رقمها له".
بحركة لا إراديّة ضغَطَ كشيدة الإشعار السّوداء.
ضاع صوت السكرتيرة، وتوقّفت حركة الهاتف، كأنّ عُطلًا مفاجئًا حلّ به.
- "ياللحظّ السيّئ الذي يلازمني عند
الضرورة. إنّه يوم نَحْس النُّعمان بن المنذر".
لم يتمالك نفسه مع اجتياح نوبة الغضب المكبوت
له، بالشتم والسبّ والتحسُّر. تراخت أعصاب يده؛ فسقط الهاتف من يده، تصادفَ مرور سيّارة
بجواره؛ فتحطّم.
ضاع في الزَّحمة، وهو يَحُثُّ خطاه المُتعبَة
في أثر ذات النظّارة السّوداء، وضجيج السُّوق تآلَفَ مع أصوات الباعة بتشييع أثره،
رغم كلِّ ذلك لم يسمع إلَّا نداء خفيًّا.
(من
مجموعتي: دقيقة واحدة)
عمان – الأردن
26/ 4/ 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق