انقلاب المخروط في روايات (محمد فتحي المقداد)
بقلم/ الروائي توفيق جاد
لكل إنسان أينما حلّ وارتحل، نظرة أولى تشدّه لما رأى.. وغالباً ما تكون هذه النظرة متعلّقة بطبيعة عمل الانسان.. وأنا حين استلمت رواية صديقي الأديب محمد المقداد الأولى ( دوّامة الأوغاد )، أخذتني دوامته بعيداً لأفكّر في الدوّامة وشكلها الذي يرسم المخروط مقلوباً في الماء.. لم أفكّر بداية بالشخوص المتغيرين وحركتهم كما الأمكنة والأزمنة في الرواية.. لتسوقهم الأحداث إلى غياهب الظلم والاستبداد.
عملي المساحي الهندسي قادني إلى التفكير في المخروط.. الأصل أن يكون هذا الشكل بقاعدة ورأس وزوايا ثلاثة.. فتتساوى أضلاعه وزواياه.. وهنا أيضاً تتغير الأضلاع والزوايا.. عندما يرتفع رأس المخروط، فإن القاعدة تضيق وتقصر.. وعندما يهبط الرأس للأسفل فإن القاعدة تطول وتتوسع.. وفي الحالتين تتغير الزوايا ويكون هناك اختلاف ظاهر.
لست هنا بصدد إعطاء معلومات مساحيّة بقدر ما سأتحدّث عن عمل أدبيّ يستحق التقدير.
قلت بأن رأس المخروط عندما يرتفع للأعلى، فإنّه يسحب معه الأضلاع الجانبية والتي يتم تعويضها من القاعدة.. تصغُرُ القاعدة ويرتفع بعضاً منها للأعلى فيسمو ويرتقي.. وعندما يهبط الرأس فإن المرتفع بالجانبين، يبدأ بالهبوط للأسفل وينضمّ للقاعدة فتتسع وتكبر.. وهذا ما حصل.. فالمخروط الذي انقلب في لُجّة البحر، أصبح دوّامة أخذت معها كلّ من دخلها إلى قعر البحر وأغرقتهم في ظلمته.
ما كان في رواية المقداد، هو هبوط لرأس النظام واسقاط لبعض من كانوا في الأعلى.. استمر الهبوط واتّساع القاعدة.. وصل رأس المخروط إلى مستوى جميع من هم في الأسفل.. لم يُحاول الصعود ثانية.. استمر في الهبوط ونزل دون مستوى الخط المستقيم.. أصبح في الحضيض.. أسقط معه الكثير.. تقلّصت القاعدة وقصُرت.. أصبح الفساد سمة وسياسة تسود الدولة.
إلى هنا.. اعتقدت بأنّ الدوامة انتهت بهؤلاء الأوغاد.. لم ينتظر محمد المقداد طويلاً.. أتحفنا برواية أسماها ( الطريق إلى الزعتري).. هذه الرواية التي كانت امتداداً لدوّامة أولئك الأوغاد.. جرّوا البلد إلى الويلات والهلاك.. قتلوا وذبحوا بلا رحمة ولا شفقة كلّ من حاول أن يطلب كرامة العيش.. شرّدوا وشتّتوا.. اغتصوا وقتلوا.. هدموا ودمروا.. لم يسلم منهم حتى الشجر والحجر
رحلة أبو فندي وهجرته إلى الأردن جسّدت بعضاً من معاناة من فرّوا من براميل وصواريخ القتلة.
رواية ( الطريق إلى الزعتري ) هي نتاج الفساد في الدوّامة وامتداد للتّسلّط والقتل الذي لن ينتهي إلاّ بزوال الظلم وأصحابه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق