تقديم
الروائي محمد فتحي المقداد
ليست المشكلة أن تكتب؛ فالأهمّ لماذا تكتب ؟ ولمن تكتُب ؟ تساؤلات مشروعة
تكتسب أهميّتها لدى المُتلقّي، وربّما تثير تساؤلًا أعمق، ما الجدوى من الكتابة في
ظلّ ثورة تدفّق المعلومات في عصر وسائل التواصل الاجتماعيّ بلا ضوابط ولا موانع؟
الثورة التي خلطت الأوراق، فضاع الحابِلُ بحُجّة النابِلُ. يُكتَب الكثير بِغَثِّه
وسمينه، وأقلّ القليل هو المُعتَبَر والهادف والأرقى؛ ليتصدّر المشهد برمّته
بجدارة.
"خبايا المرايا" هل الخبايا هي خفايا؟ ربّما يجنح خيال
القارئ ومن باب التطفّل أو حب المعرفة للبحث عن كُنه وطبيعة المخبوء. [خَبَايَا
(اسم) جمع خَبيّة أو خبيئة أو الخُبْأَةُ، وهي مؤنَّث خَبِيء: شيء مستور أو مُخْفى,
لا يعرف خبايا السِّياسة، وخبايا الأَرْض: كنوزها أو معادنها وما في بطنها من
موارد الزّرع، وفي الحديث الشريف: "اطلبوا الرزقَ في خَبايا الأرض".
وخبايا القلب: ما يُكِنُّه من مشاعر وأحاسيس، وخبايا النُّفوس: أسرارها وخفاياها
وأعماقها). أمّا الخفايا هي: ما خَفَى
الشيءَ: أَظهرهُ واستخرجه، وفي الحديث النبوي: "أَنّه كان يُخْفِي صوته
بآمين" أي يُظهِر صوته..//خَفيّة:(اسم)، الجمع : خفايا]"المصدر معجم المعاني الإلكتروني".
والخفايا لا تكون معروفة بل مجهولة وغير مقصودة.
بينما
الخبايا مُخبّأة ومخفيّة بمكان ما بفعل فاعل، وتكون معروفة لدى من خبأها في
الغالب، ومعروفة ومعروف مغزاها، ولإخفائها أسباب ربّما تكون مُعلنة أو ستبقى طيًّا
للسرَّ والكتمان، لحين زوال أسباب المنع، ويبقى الزَّمن هو
الكفيل بافتضاض الأسرار، والانتظار سيّد الموقف إجمالًا.
إشكاليّة العنوان الأخرى كلمة "مرايا"؛ فالمرايا تعكس ما
يقع على سطحها، ويُعتَقد بأنّه نقلٌ وانعكاس صادق، بلا كذب ولا رُتوشات مُجمّلة
للصورة، تعكس الصورة كما هي بلا كذب ولا مُواربة، ولا تعدو أن تكون شاهدة صدق إذا
ما استُدعِيتْ للإدلاء بشهادتها، وربّما تتحوّل شاهد زور إذا ما تمّ تغيير أبعادها
وزواياها العاكسة.
إشكالية الأنا والآخر: لعلّ الإشكاليّ: هو
المختلف عن السّائد والمألوف، ربّما ببعضه أو أجمعِه.. يتقارب أو يتباعد، وذلك
يأتي استجابة لفكرة الكاتب التي أرادها، وإيمانه بالطريقة والأسلوب الخاصّ به. وفي
"خبايا المرايا" تتأجّج
إبداعات الأديب "رائد العمري"، مُنطلِقًا من دواعي رؤيته "للأنا"
للتعبير عن ذاته، و"الأنا الأعلى"؛ محيطه الاجتماعيّ القريب
والبعيد، يُخاطِبَه بلسان الأنا، والتورية بضمير الغائب، على محامل نصوص أدبيَّة،
تحمل هُويَّة القصّة القصيرة جدًا (ق.ق.ج) في القسم الأول من كتابه "خبايا
المرايا"، وفي الثاني جاءت ومضات عميقة المعنى بدلالة توقيعاتٍ مُحكمَةٍ
بانتقاء كلماتها بعناية فائقة، كلّ ذلك؛ جاء على بساطٍ مُزركَشٍ بألوان الطيف،
التي شكّلت ظاهرة في نصوصه، باستخدام جميع الألوان، ورغم تكرار بعضها، لكنّها لم
تفقد فعاليّتها بتوليد معنى جديد، وإيصال الرِّسالة بيُسر وسهولة.
صعوبة هذا اللّون الأدبيّ جديد التشكّل استسهل الكثير خوض غماره، لكنّه
بحاجة لخبرة أديبٍ مُتمّرسٍ مُتمكّنٍ من أدواته بإجادة انتقاء المُفرَدَة الضرورة.
قادرٍ على الاختزال غير المُخلّ والمُجحِف بحقٍّ المعنى الداخليّ والخارجيّ للنصّ،
وتناغم موسيقى المفردات؛ ليتعشّقها القارئ، وهو ما وجدتُه عند الأديب "رائد
العمري".
عمّان - الأردن
11/ 11/ 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق