الثلاثاء، 13 يوليو 2021

بوابة الحداثة (6) أخبار اليوم

 

بوابة الحداثة

(المقالة الأسبوعية لجريدة أخبار اليوم السودانية)

(6)

بقلم الروائي - محمد فتحي المقداد

 

   بالتوقّف في رحاب دلالة الحَدَاثة، وقبل الدُّخول من بُوَّابتها الكبيرة، وكأنّ اتّساعها كوصف بوَّابة الجنّة: "كما بين صنعاء وبُصرى". يعني أنّها واسعة مُغْرِية، وغواية الكلام التنظيريّ للحداثة كثيرً ما تذهب بمنحى المدح والذمّ، بل صارت مَطْعنًا لمن تسلَّح بها على الرجعيَّة المزعومة لما يرفض من وُجهات نظر مُخالفة لما يعتقد،  وكأنّ الحداثة محوٌ لكلّ ما سَبّق، ورمي به في سلّة الإهمال والنسيان، بالمقابل على الجانب الآخر المُدافِع والمُنافح عن حياض اللّغة  إلى درجة الإيمان بالدِّفاع عن الثوابت اللغويَّة وأصولها، والالتزام بقواعدها النحويّة والصرفيّة والكتابيّة، وبأدواتها وقواعدها الأدبيّة المعلومة من الأدب بالضرورة.

فيما الأجواء مشحونة بحرارة الاصطفافات المُمنهجة غالبًا خلف أيدولوجيّات، ارتفعت وتيرة الصراع عن سابق إصرار وتخطيط؛ لتكون في نظر مُنْتَقديها: أداة تمييع، واستدراج للإطاحة بالأصالة المستهدفة سِرًّا بمُواربة تحريفيّة لبعض الحقائق، سواء كانت هذه الأخيرة العروبة أو الإسلام.

 إنّها قضيّة صراع الأجيال القائمة على الدفع بالاتّجاه السّائد الذي يصلح لزمانه، ويربد إثبات ذاته، مُسْتَسيغًا  كافّة الأشكال للدِّفاع عن مُكتسباته، والحفاظ على مكانته؛ ليبقى مُحتَفِظًا بمكان لِقدمِه يقف عليه؛ فالمكان وجود وكينونة يستحقّ كلّ هذا العناء.

حديث الحداثة، وما بعد الحداثة، وما بعد حداثة الحداثة، أصبحت مُصطلحات مُتداولة على نطاقات أدبيّة واسعة، وتوصَف على أنّها حركة تجديديّة، مُقابل المدرسة الواقعيّة في الأدب، والكلاسيكيّة أيضًا. وللمُتتبّع للأثر الحداثيّ بمنتجه الشعريّ ذي التفعيلة والمنثور والخاطر، سيجد نفسه غارقًا في لُجَج الرمزيّة، والإيغال في الغُموض. وهل المطلوب من القارئ، البحث عن مقاصد ونوايا الشاعر؛ ليكتشف جماليًات النصّ الشِّعريّ؟.

من المُلاحَظ أن كثيرًا من النُّصوص نالت شُهرة واسعة لدى طبقات من القُرّاء، وصدّعوا رؤوس مُستمعيهم بتحليلات تكاد أن تكون قادمة من كوكب آخر، وكأنّ النصّ مكتوبٌ بالسَنْسكريتيّة، ولم يُكتب لقارئ عربيّ بلسان مُبين.

فما هو المعيار الدّقيق لمفهوم الحداثة؟.

لم يتبيّن ممّا دُعيَ ووُصِف بالنصِّ الحداثيّ، إلّا أنَّه لم يُسلِّم مفاتيحه، فضلًا إذا كان له مفاتيح تصلح لفتح الموصد من الأبواب أو النوافذ، النصّ المنُغلق على نفسه بمنازل تستعصي على الفهم. بالتساؤل الأخير: ما الفائدة أن أقرأ نصًّا طَلْسَمًا مُطَلْمَسًا بطلاسم يعجز عن حلِّها شيخُ العفاريت الماهر؟.

عمّان – الأردن

السبت 17\7\2021

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق