بين الشرق والغرب
بقلم الروائي محمد فتحي المقداد
صديقٌ
يقف على ضفة البوسفور، أثناء زيارة استجماميّة إلى تركيّا، أثارتني صورته؛ لأكتب
رسالتي له:
وأنت
بين قارّتين.. بين عالميْن.. بين فقرٍ وغِنًى.. بين بلاد القِلّة والوفرة.. بين
بلاد الضُّعفاء والأقوياء.. ولكَ أن تتخيّل من موقعك هذا.. الهُوّة السّحيقة
الفاصلة بينا وبينهم.. رغم مسافة البوسفور الضيّقة.. التي تُعتبر مِشوارًا صغيرًا.
ولكنَّها
في الحقيقة تختصر حالة الصّراع الأبديّ بين الشّرق والغرب المُتطلّع للاستحواذ على
مُقدّرات الشّعوب، والسيطرة الكولونياليَّة، لتنتهي بالسيطرة الاقتصاديّة
والتبعيّة للغرب، السّاعي لرفاه شُعوبه لنهب لُقمة الفقراء المُغمّسة بدماء وعرق
الفلّاحين والبُسطاء.
صديقي
اسْتمتع بوقتك .. مُستلهمًا من وَهْج المكان الكثير من التاريخ وعِبَره.
الحروب
والعابرون بانتصاراتهم، والرّاجعون بانكساراتهم، والرّابحون من تجاراتهم،
والقراصنة بغنائمهم.. أنتَ في بُؤرة ارتكازيّة للصّراع المُتوهّج قديمًا،
المُتجدّد حديثًا بلا انتهاء.. الشّمس على مرآى من عينيّ تغيبُ الآن وراء الأفق..
أظنّ أنّها ستتوقّف عند البُوسفور بإشراقٍ دائمٍ، في هذا المكان لن تغيب أبدًا.
أينما
تقف يا صديقي: هو حدّ الدُّنيا لي كَمشرقيّ، ولو كنتُ في الغرب لكان لي مكانك مشرق
الشّمس الدّائم في كلّ يوم؛ فإذا ما كنتَ عابرًا له على متن قارب، أو عَبْر الجسر
أو النَّفق، تأكّد بأنّك بين الشرق والغرب، وقِصَر المسافة بينهما هي نقيضُ الهُوَّة
الحضاريَّة، التي لن يُجسّرها أيِّ نَفَق، أو جسر يربط بين الضِفَتيّن، رغم أن
النظر بالعين المُجرّدة، لن يتعب في تحديد المشاهد والمناظر في الجهة المُقابلة.
ساحة
تقسيم الإسطنبوليّة خير دليل على كلامي. اسطنبول تتنازعها شرقيّتها العثمانيّة مجد
حضارتها، وأوروبيّتها في جزئها الغربيّ المُقزّمة خلال قرن مضى بكافّة الملامح
والأشكال.
مع
غياب الشّمس مُتوارية، لكنّ وهجها ما زال يضيء جبهتكَ؛ فتلألأ انعكاساتها في قلبي،
مع نُسيمات بلا استئذان تأخذني إلى عوالم روحانيّة، تشدُّني إلى هناك؛ لأكون
جالسًا بجانبك على البوسفور، ولا تضيع لحظة التوهّج الروحيّ ضياعًا وهباءً، هُنا
خلف جهاز حاسوبي "اللابتوب"، في عالم افتراضيٍّ، مُنقطع مُتوحدٍ مُنطوٍ
على خيالات وأوهام، وهَرْطَقاتٍ هاربةٍ من واقعٍ مليءٍ بالإشكالاتِ المُعيقة لحركة
الحياة.
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق