الفكرة
بين الإبداع والتجديف
(10)
بقلم
محمد فتحي المقداد
الفكرة إذا لم تكُن إبداعيّة لا حياة لها،
وكيف تكونُ إبداعيّة إذا كانت مُقيّدة بسُقُوفٍ واطئةٍ بِسِماءاتِها؟؛ تمنعُ التحليق
في فضاءات واسعة بلا حُدود. بلا أجنحةٍ تُحلّق بلا استئذان في القلوب والأرواح،
حتّى وإن كانت أجنحتُها مُتكسّرةً لا تتوانى في تكريس حضورها عُنْوةً.
في الحقيقة هناك مُعضلة الإبداع والتقييد، وهو
من القيد بمعناه المُتشكّل مَبدئيًّا بِمُجرّد ذكره؛ فهو: (سِلْسِلةُ مِن حديدٍ،
يُربَط بها سَجين أو أسير، وقَيْد الأسير: حَبْلٌ، ونَحْوُه؛ يُجْعَل في رِجْلِ
الدَّابّة، وغَيْرها فيُمْسِكُها) والعِقال قيْدٌ أيضًا حبلٌ تُعقلُ به
الجِمال والإبل، لتقييدها، وتحريزها من الشّرود.
لاكتمال الرّؤية واِتّضاحها، لا بدّ من
استجلاء المقصود بالتجديف، وما دام عملنا في رحاب اللّغة وآدابها، فلا غنى لنا عن
العودة إلى مَضَانّها الأساسيّة: (جَدَّفَ فعل، وجدَّفَ يُجدِّف تجديفًا ؛ فهو مُجدِّفٌ،
وجَدَّفَ بالنِّعْمَةِ:
كَفَرَ بِها. لا تُجدّفوا بِنِعْمَةِ اللَّهِ (حديث
نبوي)، وجَدَّفَ الْمَلاَّحُ
: سَيَّرَ السَّفينَةَ بِالمِجْدَافِ،
وجَدَّفَ عَلى
اللهِ: كَفَرَ بِنِعْمَتِهِ) المصدر
قاموس المعاني.
ولا يعني ذلك أبدًا، أنّني أميلُ إلى موجة
التكفير السّائدة على نطاقات واسعة، أو أستلطفها، لكنّ حلبة النّقاش تتّسع لها
الصّدور والعقول والقلوب، ولنتعلم أن نُنصت ونُناقش، ولا أن نُنصّبَ من أنفسنا
قُضاة للحكم على الآخرين.
يرى كثير من الكّتّاب أن المطلوب هو الحُريّة
المُطلقة تمامًا، وبلا حدود ولا ضوابط، خاصّة فيما يتعلّق بالإله والأنبياء
والأديان، فكيف يمكن تبرير الموقف الخائف أمام القوانين الضّابطة لحركة المجتمع
ضمن أيّة دولة في هذا الكون؟. ومعلوم كم هي قاسية الأحكام الصّادرة عن القَضاة
والحُكّام القائمين على المُحافظة على كيان وهيئة ورمز تلك الدّولة مهما كانت.
يبدو أنّ الانتقائيّة والسّياسات والقائمين
عليها، واللّاهثين في ركابها، والمُتحزِّبين من اللّا دينيّين، هناك رابط خفيٌّ
غير مُعلن فيما يجمعهم، وهو فكرة العداء للأديان عُمومًا على اختلافها، وما يمتُّ
لها بصلة، ويُعدّون الأديان سبب رئيسيّ في مصائب البشر.
وأيّ
كاتب لا شكّ أنّه طليعةٌ اجتماعيّةٌ، بما يمتلكُ من قُدُرات وطاقات فكريّة،
ويُعتبر من أصحاب المقاعد في الصّفوف المُتقدّمة في سُلّم الإصلاح على كافّة
الأصعدة، ولا يُمكن أن يكون مِعوَل هدم، ولا عصًا بيد أعداء أمّته، يضرب بها نيابة
عنهم، وخلق حالة عدائيّة غير مُبرّرة على الإطلاق، والمطلوب هو العمل على تكريس
حالة السّلم الأهلي والاجتماعيّ.
(من
كتابي –كيف.. كاف.. ياء.. فاء)
عمّان
– الأردنُّ
9\
4\ 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق