الجمعة، 26 يونيو 2020

شهادة ملفقة قدمها الشاعر والناقد عبد الرحيم جداية عن الروائي محمد فتحي المقداد

 

 

شهادة ملفقة

 

بقلم - الشاعر و الناقد\ عبد الرحيم جداية

 

عندما ولد محمد فتحي المقداد في بصرى الشام أقسم أهل بصرى بأن الحارث ملك الأنباط فرح  لمولده..، وأُعدّت الموائد وأقيمت الأفراح..، ذلك ما حدثتني به الحاجّة منيفة جدته لأمّه التي التقيتها خارجة من الحمامات الرومانية هناك؛ متوجّهة إلى صلاة العصر في مسجد بصرى الشام العمريّ.

 وبعد الصلاة وحلقة الذّكر، قامت إحدى المتفقهات بتذكير النساء بقيمة استشارة الزوج حتى في خروجها للمسجد ..، وقبل أن يؤذن شيخ المسجد لصلاة المغرب سألت الحاجة منيفة زوجها أن يأذن لها بصلاة المغرب في المسجد..، تفاجأ الحاج محمد من سؤلها، وهي المرأة التي تطوف بيوت القرية ومسجدها..، ومن هول المفاجأة قال لها الحاج محمد: «صلي بالمسجد الأموي»، فضحكت بصرى كلّها من تلك الدّعابة.

فتحي المقداد..، هكذا أحَبَّ أن أناديه وأحيانا أناديه بكنيته: «أبو هاشم»، ولكن لم يخطر ببالي أن أناديه البصراوي مع أني أناديه كثيرا بالحوراني، مما ذكّرني بشيخنا الحسن البصري رحمه الله، وهو الذي يصرُّ دائما أن يناديني «أستاذ»، ربّما لأني علّمت الصبيان في المدارس، وأدّبتُهم وربيتهم حتّى أصبحوا بمقام أبنائي، ومع هذا يناديني «أبو حمزة»، وأحياني يُناديني بالحوراني، فكلانا ننتسب لهذه الأرض الطيّبة التي أنجبت فخر علماء الأمة "ابن كثير، النووي، وابن القيّم"، ومُفتيها أحد أجدادي لأمّي من (طيّبة) إربد الشيخ "عبدالرحمن الطيبي"  الذي سكن قرية طفس.

سادتي القضاة: ها أنا أتقدم لكم بشهادة ملفقة حول موكلي الذي ذرع الأرض في ليبيا والإمارات، واستقرّ به المُقام في الكرك بعد أن خطّ طريقه إلى الزعتري برواية تفتح مغاليق الحكاية، لكنّ أمّ الخنافس تمثّلت أحد أحلامه، وامتشقت قلمه لترسم نفسها مجتمعًا مصغّرًا عن المجتمع السوري في رواية  (دوّامة الأوغاد) التي لاقت نصيبها من الحضور الثقافيّ، حيث كانت إربد «الدّاية» التي تلقّت روايته في حفل توقيع بهيج في (جاليري أرب آرت)، فتملّحت روايته ما إن أبصرت النّور بكلمات ومداخلات وشهادات إبداعيّة ودراسات نقديّة لم يداخلها التلفيق ولا التزوير بل نبعت حُبّا وفرحًا في قلوب حورانيّة فرحت بولادة فارس وروائي. مع أن العرب كانت تفرح لولادة فارس أو شاعر في القبيلة وكانت القبائل تفتخر بشعرائها حتّى أن قريشا كانت ترى نفسها أقلّ شأنًا، إذ لم يكن فيها شاعر فحلٌ، حتّى ولد عمر ابن أبي ربيعة يوم مقتل عمر بن الخطاب..، فقالت العرب: «أي حق رفع وأي باطل وضع»، من وقتها ونحن نحتفل بحوران بولادة روائيّ.

درعا التي احتفلت بالعديد من الشعراء لم تحتفل إلا بالمقداد روائيًّا، وعلي العبدالله صاحب رواية(رجل منسي)، ومحمد الحفري ابن قرية (معرية) الصغيرة في درعا على حدود الجولان التي اتّخذتها قوّات الأمم المتّحدة مقرًّا لها بعد حرب تشرين عام 1973م، ولم يذكرها التاريخ ولم تعرفها الجغرافيا؛ لولا ذلك العلم الذي رفرف فاستوحى منه الروائيّ السوريّ الحورانيّ محمد الحفري رواية (العلم)، التي لم أقرأها بَعْدُ، رغم حثّ فتحي المقداد لي على قراءتها لكنّي لم أفعل بَعدُ. وأنا الذي زرت سعسع والقنيطرة والمعريّة، وشاهدت السياج العازل البسيط الذي يفصل بين السّهل والجبل، فهل كنتُ شاهدًا على العتمة حينذاك..، والسؤال يلاحقني: ما الذي منعك يا عبدالرحيم أن تخترق السياج، وتٌقبّل العلم الذي قبّلهُ محمد الحفري؟.

كيف لي أن أكون شاهدًا على العتمة؟، رغم الدعوة الالهيّة بقوله تعالى: «لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا»، فهل نحن الأمة الوَسَطَا التي ذكرها رب العزة في محكم تنزيله ..، ومع هذا كيف لي أن أشهد الزور؟، وأنا لم أر أو أسمع إلا القليل مما رواه المقداد لي وكتب التاريخ..، فهل تقبلون شهادتي. سادتي القُضاة، وهنا أتذكر الحديث الشريف: «القضاة ثلاثة، واحد في الجنة، واثنان في النار»، وقد ورد في القرآن: «شاهد من أهله، وشاهد من أهلها»، فلست يوسف، وليس هو يوسف، وليس بيننا امرأة العزيز؛ لأُلفّق شهادة رائعة، كما لفّقها فتحي المقداد القاص والروائيّ والكاتب والباحث في كتابه مقالات ملفّقة، جامعًا اللّغة والتاريخ والسياسة والدين في أسلوب جديد، طوّر فيه المقالة لتلبس ثوب الجدّة والابداع، كما ألبس الحريريّ ثوب التجديد في مقاماته، والجاحظ في كتاب البخلاء.

صديقي الذي ما زال يشهد على العتمة زورا..، لفّق مقالا ليقنعني أنّي ما زلت على وجه الأرض..، هذا ما حدث ذات مساء، والأفكار تتصارع في دماغه كذئاب كاسرة تبحث عن طعامها في صيد، فلم تجد حتّى جاءه أحدُهُم. فسأله المقداد: كيف الحال (أبو طه). فردّ عليه الرجل المُتعَب، الذي لم يكن ذئبا كاسرًا، بل رجلًا طيّبا بسيطًا.. ببساطة الطيّبين: «فوق الأرض». فلمعت الفكرة في فراغ رأس المقداد، وكأن صاعقة تنزل عليه؛ ليشرع في روايته الجديدة بعنوان: "فوق الأرض".

وبهذا يا سادة يا كرام ألخّص لكم شهادتي الملفقة بلا مقدّمات، وبلا قيل أو قال، كما كتب المقداد لعلّي أحصل على عفو المحكمة باعترافاتي التي شابهت اعترافات مؤنس الرزاز في روايته: «اعترافات كاتم صوت»؛ لتَخلُص الحكاية، وتنتهي الرواية كلّما طلع الصباح على شهريار، وتسكتُ شهرزاد عن القول المُباح كلّما أذّن الفجر وصاح الدّيك. 

ألتقيكم في شهادة ملفّقة قادمة، مُنتظرًا الحكم بالبراءة فأنا لم آت بالجديد، وهذا ما أعرفه، وتابعته، عن لافتات المقداد التي غلّفها السراب بشاخصاته الإبداعيّة دائمة التجدّد، ولم أكذبكم قولًا فهو القاصّ والروائيّ والكاتب والصديق الذي أعتز بمتابعة تجربته الإبداعيّة.

 ولكم مني الشكر على حكم البراءة له من كلّ التّهم المنسوبة إليه، علمّا بأنّني لم أقسم على أيّ حرف مما قلت.. فهل تجوز شهادتي؟.

 

 

إربد - 19 آذار 2017

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق