لقاء الروائي محمد فتحي المقداد /
جريدة الجزيرة السعودية
1-
تلقي القضايا بردائها أمام القاصين والروائيين
في سعادة وحبور على شكل دمقسٍ مطرزٍ بألوان مشكلة فتتردد أصوات فرح وإيقاع راقص وحينا
تلقي القضايا نفسها على هيئة أسمال بالية وشفاه يابسة ومدية حادة وجروح وخيبات جريمة
وفقر وبؤس. وفي المقابل ينصهر حد الامتزاج القاص والروائي بنفسه وأداوته على بلاطها
بحروريته سالكًا طرقها وفجاجها بكل برود لينسج عوالمها الخيالية غازيًا بأخيلته مبشرًا
بميلاد ورقة مخصبة هنا وهناك فما شكل هذا المولود وأين يجب أن يعيش وينحاز هذا الجنس
المخلَّق؟
ج1-
لا كتابة بلا فكرة تتكئ على قضية، وربما تتخذ منها عكازًا لبلوغ مُرادها إن تعسّرت
طريقها.
وكلّ
نص أدبيّ يحمل رسالة كاتبه، كما أنه رسالة بحدّ ذاته للقرّاء والمتابعين
المتفاوتين في فهم ما وراء المقروء؛ من هنا يأتي تقييمهم لجودة أو رداءة النصّ،
وهم على هذه الحالة فقد دخلوا في شراكة معلنة في كثير من جوانبها مع الكاتب
بالدفاع أو معاداة المادة المقروءة.
فالفكرة
عندما تراود ذهن الكاتب، وتحتلّ فضاء مكانيّا وزمانيّا تبدأ تنشر أذرعتها وأشرعتها
بإلحاح وتحريق مستمرّ للخروج من رحم دماغه إلى فضاء رحب يتجسّد في أحاديث ومسامرات
المجالس، وتستوطن صفحات الورق إلى الأبد ما دامت هناك حياة.
2-
يلقي القاصون والروائيون اللوم على النقاد
بعدم خلق مشهد سردي تشرئب له الأعناق دهشة
وعلى منابر الصحافة الثقافية لعدم إفساح المساحات الرحبة لإتمام موائد أعراسهم وأتراحهم
القصصية .. ومتى يتسنى لها التشريح تكون مصبوغة غالبًا برؤية انطباعية يتحكم بشكلها
مزاجية الناقد ومدى علاقته بخالق النص ما جعل بوصلة المشهد متذبذبة بتحريك مؤشر الاتهام
نحو المبدع الذي يشدها بدوره لتؤشر من جديد على الناقد ورأيه الهامد الذي لم يجاريه
والذي بدوره هو أيضًا يحرك إصبع الاتهام على منابر الصّحافة الثقافية والمبدع نفسه.
هنا نقول من المتهم ومن الضحية؟ وهل هناك فرصه لخلق مناخ صحو دائم تسوقه رياح المواسم
القصصية وتتحد معه سحابة المبدع وومضة الناقد البراقة الراعدة لتنبت النصوص المحملة
بالطلوع النظرة فوق أرضية صحافية خصبة؟ وفي المقابل هل ثمة نصوص تجاوزت حس الناقد وغلبة
مكانته النقدية؟
ج2-
إبداع بلا حدود.. بحاجة لنقد بلا حدود، في بعض الأحيان تتّسع الهوّة بين الأدب
والنّاقد، إذا كانا على طرفي نقيض، فالمزاج والأديولوجيا يُعزى لهما حدوث الفجوة
الواسعة، الأمر الذي تنعكس آثاره على مسيرة الأدب بشكل عام، حينما يُقصّر النّقاد
عن الاضطلاع بواجبهم عن مواكبة الحالة الأدبية، قطار الأدب يسير والنقد ما زال في
محطّة الانطلاق ينتظر.
النقد
الحقيقي يفتح آفاق الإبداع على فضاءات رحبة من التأمّل والتفكير، لتنتج نصوصًا راقية
بذائقتها الفكرية المستندة إلى تراث ومخزون فكريّ ضارب بأطنابه في أعماق ووجدان
الكاتب.
وبكلّ
تأكيد أن جميع الإبداعات فهي بشرية الصبغة، تصيب وتخطئ، تسمو وتهبط، تتلألآ وتخفت.
هذه حال كل مدارات التفكير البشري، والأديب والناقد تنسحب عليهم مؤثّرات يوميّاتهم
المعاشيّة؛ فتصطبغ مخرجات تفكيرهم بملوّنات معايشاتهم، فليس هناك إنسان مبدع في
جميع شؤونه الفكرية، الأمور تتقلب ما بين صعود وهبوط.
3-
تلويح المنصات المنبرية في الأندية الأدبية
والمراكز الثقافية أو الصوالين للمبدعين بدعوة إحياء أماسي سردية وموافقات رؤسائها
على تبني طباعة الإصدارات وما يوزع من جوائز للمبدعين أهذه الفرص الثلاث هي كل ما يغري
القاص إن كان لا فما النعم؟ وإن كان نعم فما أكثر ما يغريه ويعمل على ضمان استمرارية
تسييل لعابات المحبرة وتشجعه على مزيدٍ من اندفاق الحرف؟ أم أن تسنُّم تلكم الثلاث
لإكليلية نصوصه مجرد صدفة ألقت بها جداول دسر مرساته الأبجدية؟
ج3-
كل فكرة تحمل رسالتها، وبحاجة لمنبر لإيصال رسالتها وتبليغها، وهنا تتبدّى العلاقة
الجدليّة المعقّدة ما بين المثقف وبين رئيس المنصة والمنتدى والمسرح، فهو بحاجة
حقيقيّة للمثقف الذي هو مادة فعالياته ليرتقي للأمام، وبين الانطلاق والشهرة يسعى
كل طرف للآخر، لتحقيق المصالح المتشابكة المتداخلة بخيوط متشابكة يصعب تفكيكها
لفهم كُنهها.
4-
في القصة ظل لهذا الجنس غالبية القاصين حانين رقاب الوفاء بكل صبر الشهور والسنين ملبين
وطائفين واقفين وسائرين فرادًى وجماعات أمام أبواب سردهم يطرقون الأبواب والشبابيك
والأرصفة لمصافحة واحتضان من في الدار من بشر وما يعونه ويعينهم في مآلهم ومعاشهم دون
أن يرددون بيتًا شعريًا حتى ينسجون من ملكات مشاعرهم قصيدة وديوانًا أو دون أن يدلفون
من أبواب الرواية والسرد الأكثر جدلًا. أكل هذا الوفاء مهرًا لعيني حبيبتهم وعزيزتهم
القصة أم عزَّ عليهم الشعر وصعبت عليهم الرواية ولم تسعفهم قراءاتهم التي يقرؤونها؟
ولا ذاكرتهم الشاعرية والسردية للدنوف من هذين البابين؟
ج4-
كثيرًا ما تحول ظروف الحياة اليوميّة وما يكتنفها من هموم ومُنغّصات بين الكاتب
وبين تفكيره، الانطلاق في التفكير الإبداعي والتأمّلي بحاجة لمساحات واسعة من
التفرّغ للفكرة حتى تنضج، وتكون ضمن دائرة الانصباب على بياض الصفحات.
وبأيّ
صيغة جاءت الكتابة فالأهم فيها التعبير عن روح الفكرة وأبعادها بجلاء تام، وما
رافقها من اعتلاجات النّفس وإرهاصات صاحبت البداية والميلاد.
5-
لاشك بأن ذائقة القاصين أوالروائيين حوت
على قائمة آسرة تضم أسماء عديدة من القاصين والقاصات والروائيين والروائيات سواء على
المستوى العالمي أو العربي أو المحلي وعناوين براقة لإصدارات تركت بصمة شكلت هذه الذائقة
وأثرت تجربة مبدعتنا وغيره، فمن كان صاحب الكعب المعلى ومعينه الزاخر الساحر الذين
بدأت معهم ومضوا معك؟ وما هي رسالتك لطلائع القاصين والروائيين أوقدي قبس ضوئك شاعلاً
للقوم الحالمين من بعدك وأنت تعبدين لهم الطريق وتقتلعين الحجارة والأحجار أمام مشوارهم
الذي نواته بدأت تتشكل وأخذت بالنمو؟
ج5-
حنين القراءة يستعر في قلبي إذا ما انقطعت عن الكتاب لفترة حتى ولو كانت فصيرة،
فالقراءة لديّ ليست هواية أو ترفًا، بل حاجة أساسية كالهواء والماء والطعام، غذاء
العقل ومستقرّ لروحي تطمئن في رحاب كتاب، تهفو نفسي لقراءته، فتتوسع مداركي لأمور ربّما
تكون غائبة عن ذهني أو حاضرة في جانب من جوانبها.
فالكتابة
تنطلق من مخزونات قرائيْة مختزنة في مستودعات الذاكرة، تستحضرها حين يستدعي الأمر،
والعمل على الاستعانة بها كشاهد أو دليل آو العمل على تطويرها بقالب جديد تمام.
وفي
تجربتي كان لقصص جدتي الأثر الكبير في حبّي للقصص. وأول كتاب اشتريته في حياتي.
كان كتاب (دليلة والزيبق) وفيه من التشويق بمغامرات علي الزيبق. وأول رواية قرأتها
في حياتي (عيادة في الريف) للدكتور عبدالسلام العجيلي، إلى وصلت ساحات نحيب محفوظ،
وغسان كنفاني وحنا مينة، وفي الصف التاسع كان مقررا دراسيًّا رواية، (الموسيقي
الأعمى) لديستوفسكي. وفي الصف العاشر رواية (تاجر البندقية) لوليم شكسبير. وهكذا وصولا
إلى ماركيز وكافكا وخيميائي باولو كويلو.. والكثير من الروايات العربية والعالمية
المترجمة.
6-
الجميع يكتب للقرّاء نصًا قصصيًا قصيرًا
ومن بينهم من يكتب ومضة بعدما ازدحم شارع الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي
بمن يظن نفسه قاصًا فسطر باقتدار وبدون اقتدار وصمم صورة روحها تنطق حياة بحروفه لكن
هذا السطر والصورة والروح خديج وخليع فيظن أنه صاحب إمضاء مدهش ويرتدي عباءة القصة
القصيرة جدًا أنحن قاسون إن قلنا لهؤلاء ليتهم ما نطقوا وكتبوا أم أن الأرض أرضهم والفضاء
فضاءهم ولهم حق ما خلقوا وحري به أن يحبو ويسير ويهرول ويركض مكتمل النمو رافعًا يافطاته
ناشرًا عبيره وأريجه في شارع الإعلام الجديد؟
كاسرا التنيط القوقعي لزمرة باء عهدهم وكهل ولم تخضوضر أناملهم عن فسحة دربة
للنشء أو للمواهب ذات الجدة واليفعة؟
ج6-
ربما إذا جاز مخالفة هذا الطرح، فالتطورات غيرت من بنية الحياة بشكل عام، ولم
يقتصر تأثيرها على الجانب التقني، بل انتقل إلى الحياة السياسية والاقتصادية، والجانب
الاجتماعي وتفرعاته الثقافية بل هو المتأثر الأكبر بما جرى. وهذا ما يجعل اللغة
متطورة متوالدة في جوانب عديدة منها ال (ق. ق. ج) و(الومضة) و(قصيدة النثر).. هذه
الأنواع فرضت نفسها بقوة على الساحة الأدبية الحائرة في استيعاب مثل ذلك. ولم
تتواكب حركة النقد لتقعيد هذه الألوان وإضفاء الشرعية عليها.
7-
لعل لكاتبتنا من رأي تدلي به حول المشهد
الحركي للقصة السعودية والإبداعي بشكل عام ... بحكم قربك من كثير من القاصين فيها وكذلك
الروائيين من خلال مشاركاتك في الملتقيات أمؤازرة يشد من سواعد هذا الحراك ويرى فيه
المضي بالوجهة الصحيحة أم أنها مع من يرى أنه لا تزال ثمة عراقيل وعقبات لم تفتلذ حتى
الآن غير الخداج من أطروحاتها ؟ ولنفترض جدلا بأن فن القصة قد هجرها أطيارها في السعودية
أو غيرها .. وأتخم عشها وأنذرت شمسها بالأفول، وكذلك من قبلها الشعر (كمن يقول بأن
هذا زمن الرواية) وأخيرًا أمن مندوحة يرجع البصر فتيًا مورقًا في سويداء دهاليز الحراك
هنا وهناك ؟
ج7-
الساحة الثقافية السعودية ليست بيداء معزولة عن ساحتها وواقعها العربي فلها
خصوصيتها المحلية، ولا تستطيع التفلّت من همّها العربي، وهذا ما رأيته في رواية
(شقة الحرية) و(العصفورية) و (أبو شلاخ البرمائي) للدكتور غازي القصيبيي، وكذلك في روايات تركي الحمد، وكذلك
تجربة الجيل الثاني في ميادين القصة القصيرة والرواية. وهناك أسماء لامعة أذكر
منها على سبيل المثال.
*د/ محمد
الحضيف له عدة روايات ومجموعات قصصية(نقطة تفتيش)، (رماد عادت به سارة)، (موضي)، (غوانتانامو).
*د/ إبراهيم
الخضير (العودة إلى الأيام الأولى) ، (رحيل اليمامة)
*يوسف
المحيميد (الحمام لا يطير في بريدة)، (القارورة) ،
*عبدالله بن
بخيت (شارع العطايف)
*عبدالله
ثابت (الإرهابي 20)
*فالح
الصغير(يمرون بالظهران). وللمتأمل في هذه العناوين تثبت آن تشابكاتها مع محيطها
العربي والعالمي. جميعها تشكل مشهدًا ثقافيا وضيئًا يتكامل ويتفاعل مع مثيله خارج الجزيرة
العربية. وعذرا لم تحضرني أسماءهم.
8-
بين الخيال والواقع بؤر بونية وتماسية أين
يلعب إلهام المبدع في وشج تلكم السيرورة بين بعضيهما وهل الهروب للخيال مخرج لدحض الفلوت
الإسقاطية أم هو التسيّد والارتكاز في رؤية القصة كما هي تخلصًا من دوامة الانفعال
فيكون تدخله كالأس يشرحن بمبضعه الجرح والمكمن ببصيرة نافذة ذات حكمة ومنهجية؟
ج8-
الواقع هو المناخ
الخصب الذي يستقي منه أي كاتب أفكاره، والخيال يأتي من فنيات وتقنيات الكاتب لعمل
مزاوجة وملافحة بينهما، ليكون منتجه الأدبي مقبولا لذائقة القراء. وفي بعض الحالات
ما كان خيالا يتحول إلى واقع، كفكرة الصعود إلى القمر وهذا ما نعرفه في مجال
الخيال العلمي.
9-
حول تجربتك القصصية وإصداراتك.. التي قدمتها
للمكتبة العربية بودنا أن تحدثينا عن تلك الإصدارات منذ مخطوطك لمسوداتها لحين خروجها
من دور النشر وما الجديد المتطلعة لإنتاجه هل سيحمل نفس الصفة والصيغة والميلاد وما
هو حال اصداراتك الجديدة هل ستكون على نفس الوجهة أم ستسلكين الطريق إلى الرواية ؟
ج9-
بيئتي القرائية الحثيثة أتاحت لي نوافذ شتى في مجالات الأدب، وتزامن عندي كتابة
القصة قصيرة والقصيرة جدا، مع المقالة والرواية.
بداية
نشر لي في بغداد كتاب (شاهد على العتمة) وهو مولودي الأدبي البكر، وهو مزيج ما بين
الخاطرة والقصة القصيرة بأسلوب أدبي ممتع.
ومن
ثم نشرت روايتي الأولى (دوامة الأوغاد) وبعدها كان (الطريق إلى الزعتري) وما
صاحبها من مخاض عسير على مدار ثلاث سنوات. وكتاب (مقالات ملفقة) وهو عبارة عن
مقالات أدبية أجمع الكتاب والنقاد على أنها أسلوب أدبي جديد غير مسبوق بهذا الشكل.
ومؤخرا
انتهيت من إنجاز روايتي (فوق الأرض). وما زالت مخطوطة إلى جانب ثلاث روايات كانت
بداياتي الروائية وهن على التوالي (بين بوابتين) و(تراجانا) و(دع الأزهار تتفتح).
وفي
مجال القصة القصيرة أنجزت مجموعتين (زوايا دائرية) و (رؤوس مدببة). وفي مجال القصة
القصيرة جدا (ق. ق. ج) أنجزت مجموعتين هما (سراب الشاخصات) و (قيل و قال).. كما في
مجال الخواطر أنجزت كتابين (أقوال غير مأثورة) و (بلا مقدمات) ومجموعة أبحاث
تراثية (رقص السنابل) و (الوجيز في الأمثال الحورانية) و(الكلمات المنقرضة من
اللهجة الحورانية). وكتاب (جدي المقداد) حياة الصحابي الجليل المقداد بن عمر رضي
الله عنه. وهناك الإعداد لمشاريع روائية قادمة ما زالت في طور البدايات.
10-
هناك أشياء وقضايا ورؤى تودين التحدث عنها
مبدعتنا لعل من أهمها..
ج
10- هموم الثقافة والمثقفين متقاربة على الساحة العربية متقاربة، الشلليّة التي
تتصدر المشهد الثقافي الحكومي الرسمي المستندة إلى أديولوجيا واحدة آو مصالح
مشتركة، تحاول إبعاد وتهميش المخالفين لتوجهاتها.
ضعف
دعم وزارات الثقافة المعنية لدعم ابداعات الكتاب على صعيد واسع، كما أن معظم دور
النشر العربية هدفها الأول والأخير المادي تسعى إليه وكثيرا مل تغمط حق الكاتب.
وتضييع جهوده مما يسبب إحباطه والانكفاء على نفسه.
تناول من الأسئلة ماتراه مناسب .. وسنضيف
أخرى متخصصة في أعمالك تتركز حول اصداراتك .. تركتها للتناول والبحث حولها معك ..
تكون الاجابات بحدود 1000 كلمة , ستستل
الأسئلة وتحول المادة لتصريح في اجابات الضيف
كشف الروائي محمد المقداد ...
وقال .. وأوضح .. وأضاف .... الخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق