شهادة إبداعية
بقلم طالب الفراية
عن الروائي (محمد فتحي
المقداد)
(أديب ألمعي وقاص ذكي
وشاعر ومبدع)
في البدء كانت الكلمة فكانت
السمة الرئيسة التي يتعالى بها شموخ البشرية وتصعد من خلالها إلى منابر الشرف
لتبلغ بذلك أعلى درجات العلو والرفعة، فالكلمة ليست مجرد رسالة تصك في دقائق إنما
هي من يحرر الإنسان من سجن العقول إلى فضاء الإبداع ومن المعروف لنا أن العلم لا
تثمر أزهاره إلا إذا اقترن بالعمل وحسن الأخلاق وأديبنا جمع بين الحسنيين فهو مدرسة
إبداع.
وأدب وعلم وأخلاق، آتاه الله
من الموهبة أجملها ومن الأخلاق أعلاها فهو كنسمة هواء رقيقة ومثال للباقة واللطافة
وحسن المعاشرة، استمد ذلك من بيئته العريقة (بصرى الشام) التي تتوسطها قلعتها
الشامخة بكل جلال ووقار
محمد فتحي المقداد صاحب كلمات
لها فعل كفعل السحر كما أنه يمتلك بلاغة متميزة مما يجعل اللغة خاضعة في بنائها
ووظيفتها لمكونات ذلك الجنس الأدبي .أما سمات أسلوبه فهو يجمع بين اللغة والأدب
والحكمة وجزالة اللفظ
مما يجعل
القارئ حائراً غارقاً بين سحر الكلمة والإبداع البلاغي فيزداد شوقاً للمتابعة وعند
بلوغه النهاية يجد نفسه لا يستطيع أن يصف روعة ما قرأ، كما أن كلماته تعبر عن صدقه
ورقة مشاعره وذلك من خلال مخاطباته الوجدانية وإشاراته الروحية وكشف القبح في
المجتمعات، ووضع الصورة أمام مقابلاتها فيزرع ويبث في نفوس متلقيه الرغبة والدهشة فهو يمس
النواحي والنواصي العليا التي تبدأ من الضمير وتنتهي إليه وكأنه يمسك بخناق
الإنسانية لكي لا تتردى.
أما فيما يتعلق بموضوعاته فهو الرجل الجديد المتجدد من
دون منازع فكل يوم يظهر لنا بحلةٍ جديدة مختلفةً عن سابقتها فهو يعُنى بتنويع
المعاني الشيء الذي يجعل القارئ يبحث عن كل جديد عنده، فهو يقوم بانتقاء الألفاظ
السهلة والعبارات السلسة ذات المعنى والمغنى إضافة إلى الموهبة الساحرة التي
يمتلكها والتي تعد بمثابة وقود توهجه وتكشف لنا عن أصالته التي حظيت بمرتبة الشرف
بامتياز فيكون بذلك قد حقق شخصية الأديب.
فالأديب محمد فتحي المقداد بمؤلفاته هو جزء حي
يقظ من ضمير أمته، ومرآة عصره حيث انعكس شاهده على العتمة قمرا منيرا في عتمة
واقعنا المظلم. كما وظهرت معالم فكره وإبداعه في إنجاز خمسة أعمال روائية هي: (بين
بوابتين- تراجانا – دع الأزهار تتفتح – الطريق الى الزعتري – وآخرها ما نحن نحتفي
بها اليوم رواية دوامة الأوغاد).وفي مجال القصة القصيرة لأديبنا – مجموعته القصصية
الموسومة بـ (زوايا دائرية) . أما قصة الومضة وهي الأقصوصة أو القصة القصيرة جدا
فله مجموعة (حروف بلا موانئ)،وفي أدب المقالة لأديبنا كتاب (مقالات ملفقة)،وله في
الخواطر (أقوال غير مأثورة), وفي التراث له كتاب (رقص السنابل).وله كتاب عن حياة
الصحابي الجليل المقداد بن عمرو بعنوان (جدي المقداد).ومن المفارقة المحزنة
أنه لم يصدر إلا كتاب شاهد على العتمة
ورواية دوامة الأوغاد . وما زالت بقية المؤلفات تنتظر النشر لترى النور.
أما عن شخصيته فهو إنسان بكل معاني الإنسانية ودليل ذلك
موضوعاته التي نقرأها كل يوم فلو اختل في شخصيته معنى من معاني الإنسانية لانعكس
ذلك الخلل على فنه وكان بذلك غير مقنع لقرائه، وتجلى لي ذلك عند حديثي معه للمرة
الأولى فوجدته إنساناً متواضع يعتنق فكرة عزة النفس والكرامة والإيثار وإنكار
الذات وليس بعيداً عنه ذلك فالنظرة في عين المرء تريك مدى علاقته بالفكر ولو نظر
أحد إلى وجهه لوجد القراءة والكتابة تحفر لها أخاديد على بشرته وتضيف إلى عينيه
عمقا آخر
وبذلك فإن تلك الصفات والخصوصيات التي تحدثت عنها ليست
مطروحة على قارعة الطريق كما يظن البعض، بل هي وهب من الله وأصحاب تلك الخصوصية
قلة قليلون.
وفي النهاية لا يسعني إلا القول بأن من بين النماذج الإنسانية الرائدة والطليعية يبقى
الأديب متميزاً بالخيال الحر الطليق والتصور المكتمل لكل وجوه الحياة، كيف هي
كائنة وكيف يجب أن تكون
تحية معطرة
بأسمى آيات المحبة والتقدير لأديبنا محمد فتحي المقداد مع خالص الود والمحبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق