تأملّات .. (1)
الحاضر يعتبر خير شاهد على الماضي، إذ لا يمكن فَهْمُ طبيعة، ومُداخلات الحاضر، إلا إذا صار مستقبلًا، ويأتي حكم الحاضر على مُعْطيات, وتجليّات لم تكن ظاهرة وقتذاك، فتتفتح العيون على نضوج الرؤية، بمقارنات مشفوعة بتقاطع الأدلة.
ولا يمكن فهم الحاضر، والحكم عليه، إلاّ من خلال استقراء مساره في الماضي القريب و البعيد.
والحاضر هو المستقل في عيون الماضي، وله تُبذل المُهَج، وتراق على دروبه الدموع، و العواطف، والمشاعر، و تنساب المتاعب بكامل قُوّتها أملًا في الوصول للمستقبل.. المفروش بالورود.
حقيقة لا أدري، إذا أصابتني صدمة ظلام المستقبل المنشود في عينيّ ..!!، ما الذي يمكن أن أفعله؟.
– هل أنقلب عليه، وأنكفئ إلى قوقعتي ؟.
– أم أرجع للتّرحُم على الماضي، بكامل سلبياته؟.
الماضي مُعاش، و المستقبل أمنية.
سِمَةُ الحاضر في نفوس مُعَايشيه، كثرة التأفف، واللّعن، و السخط على الكثير من معطياته، وهناك أمنيات تحاول القفز من المركب للانتحار، ولمقاومة الحاضر، والانتقال للضفة الأخرى، التي هي بمثابة المستقبل، وهو بُغية يُراد الوصول إليها.
كذلك المستقبل، هو الشمعة، أو بصيص النّور، لمن يسلك النفق المظلم.
المستقبل كونٌ مليء بالأحلام المتجددة، الموغلة في غمارٍ مُتّسِعٍ، ربما تتجاوز حدود الكرة الأرضية، لتناطح الشمس، و القمر، ودرب التبّانة.
إذا كان المستقبل مجهولًا لنا، فهل يستحقّ منا كل التضحيات من أجله، وما نطلق عليه التفاؤل والأمل.. هما الدافعان الحقيقيان للسير الحثيث إليه.
هل للمستقبل أن ينمو، ويزدهر في النفوس، لولا الاعتقاد بأنه هو الأفضل و الأجمل.
كم يمتلك أحدنا من الحَيَوَاتِ حتي يبذلها للمستقبل..!!؟.
العيون تُركّز نظراتها إل الأفق البعيد، عندما تَمَلُّ من الحاضر.
الماضي يُلقي بأوشحة ظلاله القاتمة على الحاضر، مُحاولًا الإمساك به، وإرجاعه إليه، لتأخير انطلاقته.
إذا اعتمد الحاضر على رصيده من الماضي، مؤكدٌ أنه لن يتقدّم، إذا حاول نقل الماضي بكل حيثياته غير الملائمة لطبيعة المرحلة، بدل الاستفادة من دروس وعبر الماضي.
إذا كانت الألسنة تلهج بذكر الماضي: بأنه الزمن الجميل، يجب التأكد أولًا من أن المستقبل لن يقوم، ويعلو إلاّ بِأُنَاسه الذين يحملون معهم قِيَمَهُم النبيلة.
إذا كانت العواطف، هي الحكم و الفيْصل، وسبيل الوصول إلى المستقبل، حتمًا سيكون فاشلًا.
لا يمكن للحاضر، أن يكون بلا ماضٍ، ولا مستقبل.
إذا قذف الماضي بحجارته على المستقبل، فلن يكون للحاضر وجود.
***
تأملات (2).. في الأيادي
تعتبر الأيادي هي أداة الفعل الإيجابي و السلبي في الحياة على حد السواء، وهي الحانية التي تمسح الآلام، و الأحزان عن القلوب، وأخرى تزرع الخراب، والدمار، والأحقاد، حينما تنبش الأسى من مكامنه.
الأيادي البيضاء لها السّبْق في المبادرة إلى دروب الخير، بفيْض عطائها، لتجدد الأمل في القلوب الظامئة.
الأيادي السّود، الملوثة بمشاريع قاهرة، غارقة في وَحْلِ المؤامرات، فنسجت، وحبكت خيوطها في عتمة الليالي بعيدًا عن الأنظار، لتعيث فسادًا في الكون على كلّ المستويات، فتنعكس آثاره على العباد لاحقًا أم آجلًا.
الأيادي المتوضئة، تطّهرت من أوطار الحياة، ونفضت عنها الأرجاس و الآثام، وامتدّت لنثر الخير، فسكبت السكينة و الطمأنينة على الأرواح لتسكن في أمان من غوائل الدهر، وفي الليل ترتفع لتمسح دموع الضراعة، و الخوف من الله، نهارًا تفتح أبوابها، وتشرعها للعابرين إلى رحابها، تمتد لتعطي.
الأيادي الأثمة، الأثيمة، المُؤثّمَة، تُلوّح من بعيد بخناجرها المسمومة، تطعن بها في الظّهْر، و في الخاصرة في غفلة من عيونٍ، غَفَتْ في سبيل استراحةٍ، ولو لبرهة.
الأيادي الحائرة فيما، بين ..و.. بين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، أيادٍ أقّل صفة لها أنها منافقة، أقلامها مأجورة للأقوى، تُلوّح بعصاه، وتُصفّق له، تخطّ مصائر البُسطاء بقسوة، وبلا رحمة، فقد باعت ضميرها المتكلّس بأبخس الأثمان، تصطف بتوافق عجيب من الباطل جهارًا نهارًا، بلا حياد، أو وقوف على مسافة واحدة من الفرقاء، وقاعدتها الدافعة لرؤيتها الميكافيليّة، “أن الغاية تُبرر الوسيلة”.
أيادي الحقّ تعلن على الملأ بلا خوف أو وَجَلٍ، أنها نصيرة المظلومين، شعارها رفع الظلم عنهم، ومقاومته بشتى السبل المتاحة، خيارها صعبٌ مليء بالعقبات الكأداء، وستصرف جهدها، وربما تستنفذ كل زَخَمها قبل أن تصنع شيئًا ملموسًا، بينما تأتلف ضدّها كلّ الأيادي الشريرة؛ لتكريس حالة الظلم والظلام.
أيادي العَسَس، أيادٍ مخيفة، تنشر الرّعب و الخوف في كلّ مكان تحلّ فيه، لها آذان كبيرة، تتسمّع فيها همسات الهامسين، وتفهم كلام البُكم على أنه احتجاج ضدّها، تُسكتُ الأصوات، وتزجّ بأصحابها خلف القضبان وراء الأسوار، وتحرك الستارة من الخلف، والأحجار على رقعة الشطرنج، عيونهم تدور في رؤوسهم على مدار السّاعة، يتلصصون على دقائق الأمور الخاصة و العامة، باسم القانون ينفذون أعمالهم.
الأيادي ميّزتها العظمى أصابعها، فإذا ما ارتفعت السَّبابة وحدها بمحاذاة الوجه فتكون علامة تحذير من أمر ما، والإبهام إذا ما أطلق للأعلى، والكفً مضمومة على شكل قبضة، فإنه يكون علامة إعجاب، و الوسطى إذا ما نتأت واقفة بحركات إيمائية، والكف مبسوطة، وممدودة للأمام علامة وسخة يُشار بها لشخص ما لإغاظته، وإذا ما اجتمعت الكفّ مضمومة؛ فتشكل قبضة تتهيأ للضرب و المقاومة، وإذا ما اجتمعت رؤوس الأصابع لتتشكّل بشكل أجاصة فإنها تُحذّر وتتوعد.
والفرق شاسع ما بين اليد التي تمتد للسلام على الآخرين، وتحمل غصن الزيتون تُلوّح به، وبين اليد التي تضغط على الزناد لتُسيح الدماء، وتسفح أرواح الأبرياء, و “اليد العليا خير من اليد الدنيا”، و” يد الله فوق أيديهم “.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق