الثلاثاء، 1 أكتوبر 2019

صراع الثابت و المتحول في نصوص القاص( أحمد علي بادي - اليمن)

صراع الثابت والمتحول
عند القاص (أحمد علي بادي - اليمن)

بقلم/ الروائي محمد فتحي المقداد

القلم والكتابة والورق ثالوث المعرفة في الكون، إذا غاب أحدها انهدم جزء مهمٌّ ستحدث فجوة عظيمة في هذه المنظومة الأولى في الحياة قاطبة
ففي النّصيْن الأول (أرجو ألّا تقرأ هذه) والثاني (البقرة العمياء)، كان هذا الثالوث هو الثيمة المشتركة لكليْهما.
انطلق الحدث في النّصين عبر النّافذة مع اختلاف الطريقة، ففي الأول بفعل الرّيح طارت الورقة التي نصح الكاتب (أحمد بادي) بعدم قراءتها بتحذيره الشّديد على لسان الرّاوي النائب عنه في النصّ العليم بما سيحدث.
بينما في الثاني قذف بطل النصّ لقمة  خبز من النافذة ليفتح لنا أبواب الصّراع خارج المنزل على لقمة الخبز، ثم أراد قذف ورقة مما كتب هذه المرّة الكلاب فلم تهتمّ للأمر.
***
قلم الكاتب ماضٍ في طريقهِ بجرأة أدبيّة مُحترفة بمستوى مُتقدّمٍ سرديًّا بإتقان ورشاقة ميّزت فكرة الصراع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأخذنا برحلة تعدّت عوالمه إلى آفاق الإبداع المُرمّزة مُنفحة على عوالم  من التأويلات.
في النص الأوّل رغم أن من كتبها أوصى بعدم قراءتها، فقُرئت من جميع ممن وصلت إليهم. وحصل لهم ماحصل من مصائب قرؤوها فلم تحتملها، مذكرات سياسيّ أو حاكم أو دكتاتور.. أو شيء من هذا القبيل. وهي أخر ورقة في كتاب مذكّراته كتبها، حينما شعر بدُنوّ أجله.
وقد سحبتها الرّياح من على المنضدة، ووصلت إلى يد رجل بفعل الرياح فقرأها ومات على الفور، وامرأة حامل أجهضت بعد قراءتها، وشاب أصيب بالجنون، والتصقت الورقة على زجاج الحافلة الأمامي مات جميع من فيها بسبب حادث مفجع، حينما قرأها السّائق.
***
المفارقة جاءت في خاتمة النص، حينما رجعت الورقة إلى صاحبها الأصلي بفعل الرياح، فندم على كتابتها، وإفشاء أسراره حتى إلى مساعده وأمين سرّه المؤتمن، فقام بوضعها في فمه ومضغها بين أسنانه، فلفظ آخر أنفاسه.
حاء وقت ونشرت المذكّرات بدونها، وتحت عنوان (أرجو أن تقرؤوه.. هذه مذكّرات رجل المدينة العظيم)
بينما في النص الثاني الورقة لم تقرأ ولم يهتمّ بها أحد، ولم تكن سوى جزء من علف للبقرة العمياء التي هي مصدر حياة العائلة بحليبها اليوميّ على مدار السنة تقريبًا.
وعلى قطعة خبز صغيرة (يدور الصراع الشّرس الدّامي من أجل الحصول على لقمة تسدّ الرّمق، ولكنّي لم أهتمّ له).
مراقبة صراع البقاء من النّافذة (فما كان منّي إلّا انتزاع تلك الأوراق التي كتبتُ عليها، ورميها من النّافذة دون أيّ تمزيق، ورحتُ أراقبها وهي تتأرجح في الهواء، إلى أن حطّت في بين الكلاب التي ما زالت مُتجمّعة قرب داري، وكان غريبًا أنّ الكلاب هذه المرّة لم تندفع نحوها).
في النّصين كانت الثوابت صامدة، القلم والورقة والكاتب والنّافذة والبيت والمكتب والقيمة المعياريّة للكتابة، وما نتج عن ذلك من صراعات متأجّجة مُفضية للموت نتيجة الصراعات التي تحوّلت اضطرابا واقتتالًا بالعيش الهادئ.
فالحياة ثابتة بثبات مسلتزمات البقاء، من العلم والثقافة، والخبز والماء والهواء.
وكما قيل: (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان). فغذاء العقل الأهمّ على الإطلاق في طرق التّفكير السّليمة التي ترسم آفاق المستقبل للبشريّة بالمحبّة والسّلام.
(فجأة أحسستُ بتلك الكلاب تنهش أمعائي، وإن ذلك الصراع أصبح يجور في بطني، فانتبهت للخبز الذي لم أتناول منه غير لقمة لم تسُدّ الرّمق). هذا ما ختم به القاص أحمد بادي نصّه (البقرة العمياء).
المجموعة (صوت يخرج من الدّاخل) متميّزة بجميع نصوصها بين جودة عالية وجيّدة. فقد وقع اختياري على نصّيْن منها فقط. صعوبة كتابة القصة القصيرة كصعوبة الانتقاء منها، أو التقاط الرّابط المشترك فيها من خلال كتاب.

عمّان - الأردن
17 / 9 /2019‪
______________
* النّصان المدروسان من المجموعة القصصيّة (صوت يخرج من الدّاخل) للقاص أحمد علي بادي / اليمن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق